Amin Rihani: Batı Ülkelerinde Doğu Felsefesinin Yayıncısı

Tevfik Said Raici d. 1400 AH
136

Amin Rihani: Batı Ülkelerinde Doğu Felsefesinin Yayıncısı

أمين الريحاني: ناشر فلسفة الشرق في بلاد الغرب

Türler

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى

وصوت إنسان فكدت أطير

صحيح ما يقال من أن الرياح والأعاصير تضر بمصالح الناس، ولكن أمن أجل الإنسان ومصالحه الزمنية المادية خلق الله كل شيء؟

هكذا يقال في التعاليم الدينية، ولكن الطبيعة تقول غير هذا القول، ويظهر لي أن الأعاصير تعوض أضعافا على الإنسان؛ فالذي تأخذه من ملكه الخاص تعيده إلى ملك الطبيعة، والخسارة لا تكون إلا نسبية. وهذا ظاهر لكل الذين وصلوا بترقيهم الروحي العقلي إلى درجة يتم فيها امتزاج الروح البشرية بروح الطبيعة الشاملة. وهؤلاء القلائل لا يفقدون شيئا أزليا، ولا يكسبون شيئا زائلا؛ لأن الطبيعة بما فيها هي أبدا لهم، وهم أيضا لها على غابر الدهر.

السير في شوارع المدن الكبرى يذكر الإنسان بالإنسان، وأما السير في الوادي أو الغاب فيذكر السائر بالخالق العظيم. الأول يدعو إلى العمل، والثاني إلى التفكر والتأمل. في الأول بعض اللذة التي يتبعها الإعياء والقنوط، وفي الثاني نوع من اللذة الذي يتبعه النشاط والعزم وحسن الآمال.

يمشي المتنزه في شارع من شوارع باريز أو نيويورك فيدهشه ازدحام الناس، وتنقبض نفسه من الضجيج، ويتبلبل فكره مما يراه وراء زجاج النوافذ الكبيرة من مصنوعات الإنسان، ومن التحف والعاديات، ويمشي ابن الطبيعة في الغاب بين الأدغال وتحت الأشجار والأدواح فتنعشه روائح الصنوبر، ويسكره أرج الأرض الذكي الممتزج بروائح القويسة والبطم والغار، فيخرج من بيت أمه وقد ملئ نشاطا وعزما وسرورا، وبالأخص إذا كان معها في ساعة تهيجها. يخرج إذ ذاك وهو شاعر بأنه يستحق أن تعامله الطبيعة معاملة مثيل لها، بل معاملة أحد أعضائها المتساوين أمام الناموس الشامل الدائم الذي لا يبطل من أجل الأغنياء، ولا يلغى من أجل الملوك والأمراء.

وهكذا خرجت من الوادي بعد أن قضيت فيه بضع ساعات، خرجت بعد أن تصفحت فصلا طويلا من كتاب أميرة المنشئين وربة الكتاب. (3) فوق سطوح نيويورك

دخلت ذات يوم مصعد إحدى بنايات نيويورك الشاهقة ، فرفعني الخادم في أقل من دقيقة إلى الطابق الأخير منها - الطابق الخامس والعشرين - ومن هناك أخذت أدور صاعدا درجا من الحديد لولبيا حتى وصلت إلى قبة البناية العظيمة؛ قبة تكاد تختفي بين الغيوم في النهار، وتضيع بين النجوم في الليل، قبة ترتفع بين أبنية نيويورك العالية ارتفاع هذه فوق بيوت الفقراء الحقيرة. ومن هناك يشرف المتفرج على مدينة نيويورك العظمى، وينظر إليها نظرة الطائر، ولكن يجب عليه قبل أن يرى أسواقها المزدحمة أن يطل من حالق على سطوحها المشتبكة بأسلاك البرق والتلفون، المغشاة بالدخان المتصاعد من المداخن ومن آلات سكك الحديد الجارية فوق الأسواق.

وبعد أن وقفت في القبة بعيدا عن ضجة الأشغال، وحركة التجارة، وصياح باعة الجرائد، وضوضاء الأرتال والمركبات، تنشقت الهواء النقي الذي يندر في البيوت والأسواق، تنشقت منه مقدارا وافرا، وسرحت نظري فيما تحتي من السطوح، وما فوقها من المداخن التي يتصاعد منها الدخان على الدوام في النهار وفي الليل؛ فخيل لي أن هذه المداخن أفواه براكين هائلة تنذر بقدوم انفجار عظيم، فكأنها أيادي أولئك المعدنين السوداء مرتفعة نحو السماء ليصرف الله عنهم البلاء، وكأن الدخان المتصاعد من أناملها هو الفائض من دخان الظلمات التي يسكنها المعدنون، ويحفرون فيها ساكتين صابرين. ألوف من المداخن تنفث في وجه السماء روحها الغازي، رافعة إلى الخالق احتجاجها على القائلين بحركة العمل المستمرة، بالحركة الدائمة التي لا يتخللها راحة ولا هدوء.

تأملت هذا الدخان مليا، ونظرت في تكوينه وأشكاله، في اجتماعه وتبدده، في صعوده وسقوطه، في انسلاله وهجومه؛ فرأيت هنالك أشباحا وحشية ترتفع تارة وتنخفض أخرى، وتهجم على الهواء هجوم الزابع في الفضاء، فكأنها تريد إفساده بنفسها الغازي القتال. هي أمواج بخارية تتلاطم وتنتفخ وتتبدد في الجو: هذه تشبه حية تنساب وتختفي، وتلك تشبه جاموسا يشول برأسه وينطح بقرنيه السماء، فيعود منهزما مسحوقا متبددا في الفضاء.

Bilinmeyen sayfa