أآلفة النحيب كم افتراقٍ ... أظل فَكَانَ دَاعِيَة اجتماعٍ
قَالَ أَبُو الْحسن: فَلَمَّا صرت إِلَى أبي الْعَبَّاس الْمبرد سَأَلته عَنهُ فَقَالَ: معني هَذَا أنَّ المتحابين والعاشقين قد يتصارمان ويتهاجران إدلالا لَا عزما على القطيعة، وَإِذا حَان الرحيل وأحسَّا بالفراق تراجعا إِلَى الودِّ وتلاقيا خوف الْفِرَاق، وَإِن يطول الْعَهْد بالالتقاء بعده فَيكون الْفِرَاق حينئذٍ سَببا للاجتماع كَمَا قَالَ الآخر:
متعا بالفراقِ يومَ الفراقِ ... مستجيرين بالبكَا والعناقِ
كم أسرَّا هواهما حذر النا ... سِ وَكم كتما غليل اشتياق
فأظل الْفِرَاق فَالْتَقَيَا فِي ... هِ فراقٌ أتاهما بِاتِّفَاق
كَيفَ أدعوا على الْفِرَاق بحتفٍ ... وغداةَ الفراقِ كَانَ التلاقي
قَالَ فلمَّا عدت إِلَى ثعلبٍ فِي الْمجْلس الآخر سَأَلَني عَنهُ فَأَعَدْت عَلَيْهِ الْجَواب والأبيات، فَقَالَ مَا أشهد تمويهه مَا صنع شَيْئا، إِنَّمَا معني الْبَيْت أنَّ الْإِنْسَان قد يُفَارق محبوبه رَجَاء أَن يُقيم فِي سَفَره فَيَعُود إِلَى محبوبه مستغنيا عَنِ التَّصَرُّف فَيطول اجتماعه مَعَه. أَلا ترَاهُ يَقُولُ فِي الْبَيْت الثَّانِي:
وَلَيْسَت فرحة الأوباتِ إِلَّا ... لموقوفٍ على ترحِ الوداعِ
وَهَذَا نَظِير قَول الآخرِ، بل مِنْهُ اخذ أَبُو تمامٍ:
1 / 57