بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
تَرْجَمَة الْمُؤلف، مختصرة من تَارِيخ ابْن خلكان
هُوَ أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الزجاجي النَّحْوِيّ الْبَغْدَادِيّ دَارا ونشأةً، والنهاوندي أصلا ومولدًا. كَانَ إِمَامًا فِي علم النَّحْو، وصنف فِيهِ كتاب " الْجمل الْكُبْرَى " وَهُوَ كتاب نافعٌ لَوْلَا طوله بِكَثْرَة الْأَمْثِلَة. أَخذ النَّحْو عَن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس اليزيدي، وأبي بكرٍ بن دريدٍ، وَأبي بكرٍ بن الْأَنْبَارِي. وَصَحب أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن السّري الزّجاج فنسب إِلَيْهِ، وَعرف بِهِ، وَسكن دمشق وانتفع بِهِ النَّاس وتخرجوا عَلَيْهِ، وَتُوفِّي فِي رجبٍ سنة سبعٍ وَقيل سنة تسعٍ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائةٍ، وَقيل فِي شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ وَالْأول أصح بِدِمَشْق، وَقيل بطبرية رَحْمَة الله تَعَالَى.
وكَانَ قد خرج من دمشق مَعَ ابْن الْحَارِث عَامل الضّيَاع الأخشيدية فَمَاتَ بطبرية. وَكتابه الْجمل من الْكتب الْمُبَارَكَة لم يشْتَغل بِهِ أحدٌ إِلَّا وانتفع بِهِ، وَيُقَال إِنَّه صنفه بِمَكَّة حرسها الله تَعَالَى وَكَانَ إِذا فرغ من بابٍ طَاف أسبوعًا ودعا الله تَعَالَى أَن يغْفر لَهُ، وَأَن ينفع بِهِ قارئه، والزجاجي بِفَتْح الزّاي وَتَشْديد الْجِيم وَبعد الْألف جيمٌ ثانيةٌ انْتهى.
Bilinmeyen sayfa
قَالَ أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الزجاجي ﵀: أخبرنَا أَبُو عبد الله الْقَاسِم عَن أبي محمدٍ بن يحيى الْمُبَارَكِ الْيَزِيدِيِّ قَالَ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بن مَسْعُود
1 / 1
﵀ فِي قَوْلِ اللَّهِ ﷿ " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمّةٌ قَانِتًا لله حَنِيفا " قَالَ: الأُمَّةُ الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ لِلْخَيْرِ وَالْقَانِتُ الْمُطِيعُ وَالْحَنِيفُ التَّارِكُ لِلشِّرْكِ " اجتباه " يَقُولُ اصْطَفَاهُ " وَهَدَاهُ إِلَى صراطٍ مستقيمٍ " يَعْنِي طَرِيقًا يَسْتَقِيمُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ " وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً " قَالَ الذِّكْرُ الطَّيِّبُ، وَالثَّنَاءُ الْجَمِيلُ، مَا مِنْ أمةٍ وَلا أَهْلِ دينٍ إِلَّا يتولونه " قَالَ أَبُو الْقَاسِم الزجاجي ": الْقُنُوت فِي اللُّغَة طول الْقيام، وَمِنْه قيل للداعي قانتٌ، وللمصلي قانتٌ. والحنف الْميل، وَقيل للْمُسلمِ حَنِيفا لعدوله عَنِ الشّرك إِلَى الْإِسْلَام وميله عَنهُ ميلًا لَا رُجُوع مَعَه، وَمِنْه الحنف فِي الرجلَيْن وَهُوَ إقبال كل واحدةٍ من الإبهامين عَليّ صاحبتها، وميلها عَن سَائِر الْأَصَابِع. وَكَانَ الحنيف فِي الْجَاهِلِيَّة من كَانَ يحجّ الْبَيْت، ويغتسل من الْجَنَابَة، وَيغسل موتاه، ويختتن، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام صَار الحنيف الْمُسلم.
" أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الزجاجي ﵀ قَالَ ": أخبرنَا أَبُو الْحسن الْأَخْفَش قَالَ أخبرنَا أَحْمَد بْن يحيي عَنِ ابْن الْأَعرَابِي عَنِ الْمفضل الضَّبِّيّ قَالَ: قَالَ لي أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَنْصُور: صف لي الْجواد من الْخَيل؟ فَقلت
1 / 2
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذا كَانَ الْفرس طَوِيل ثلاثٍ، قصير ثلاثٍ، رحب ثلاثٍ، صافي ثلاثٍ؛ فَذَلِك الْجواد الَّذِي لَا يجارى. قَالَ فَسرهَا؟ فَقلت أما الثَّلَاث الطوَال فالأذنان وَالْهَادِي والفخذ؛ وَأما الْقصار فالظهر والعسيب والساق، وَأما الرحاب فاللبان والمنخر والجبهة، والصافية الْأَدِيم وَالْعين والحافر.
" أنشدنا أَبُو غانمٍ الْمَعْنَوِيّ ": قَالَ أَنْشدني أَبُو خَليفَة الْفضل بْن الْحباب قَالَ أَنْشدني أَبُو محمدٍ التوزي عَن أبي عبيده لأنيف بْن جبلة الضَّبِّيّ الجمحيّ فَارس الشيط:
وَلَقَد حلبت الدَّهْر كلَّ ضروعه ... فَعرفت مَا آتِي وَمَا أتجنَّب
وَلَقَد شهِدت الْخَيل يحمل شكتي ... عندٌ كسرحان القصيمة منْهب
1 / 3
أما إِذا استقبلته فَكَأَنَّهُ ... للعين جذع من أوالٍ مشذب
وَإِذا اعترضت بِهِ اسْتَوَت أقطاره ... وَكَأَنَّهُ مستدبرا مَنْصُوب
" قَالَ أَبُو غَانِم ": معني هَذَا الْبَيْت مأخوذٌ من معني قَول ابْن أقيصرَ فِي وصف فرسٍ إِذا استقبلته أقعي، وَإِذا استدبرته جبا، وَإِذا اعترضته اسْتَوَى.
" أخبرنَا ": أَبُو محمدٍ عَبْد اللَّه بْن مالكٍ قَالَ أخبرنَا الرياشي قَالَ أَخْبرنِي مُحَمَّد ابْن أبي رجاءٍ عَن رجلٍ من بني مخزومٍ عَن أَبِيه - أَو عَمه - قَالَ:
1 / 4
لقِيت ابْن هرمه مُنْصَرفه من الْمَدِينَة فَقَالَ لي قد خرج هَذَا الرجل - يَعْنِي مُحَمَّد بْن عبد الله ابْن حسن - وَقلت أبياتا فأعرفها واحفظها:
أرِي النَّاس فِي أمرٍ سحيلٍ فَلَا تزل ... عَليّ حذرٍ حتي ترى الْأَمر مبرما
وَإنَّك لَا تَسْتَطِيع ردَّ الَّذِي مضى ... إِذا القَوْل عَن زلاته فَارق الفما
فكائنٌ ترى من وافر الْعرض صامتا ... وَآخر أردى نَفسه إِن تكلَّما
" أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الزجاجي ": أخبرنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ حدثنَا مُحَمَّد بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ ﷿ " أَمْ حَسِبْتَ أنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ والرَّقيم كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا " قَالَ: إنَّ الْفِتْيَةَ لَمَّا هَرَبُوا من
1 / 5
أهلهم خوفًا على دينهم ففقدوهم فَخَبَّرُوا الْمَلِكَ خَبَرَهُمْ، فَأَمَرَ بلوحٍ من رصاصٍ فَكتب فِيهِ أَسْمَاءَهُم وَأَلْقَاهُ فِي خِزَانَتِهِ وَقَالَ إنَّه سَيَكُونُ لَهُ شأنٌ فَذَلِكَ اللَّوْحُ هُوَ الرقيم.
" أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الزجاجي ﵀ ": اعْلَم أنَّ فِي الرقيم خَمْسَة أقوالٍ أَحدهَا هَذَا الَّذِي روى عَنِ ابْن عباسٍ ﵀ أَنه لوحٌ كتب فِيهِ أَسمَاؤُهُم وَالْآخر أنَّ الرقيم هُوَ الدواة. يرْوى ذَلِك عَن مجاهدٍ، وَقَالَ: هُوَ بلغَة الرّوم وَالثَّالِث أنَّ الرقيم الْقرْيَة وَهُوَ يرْوى عَن كعبٍ. وَالرَّابِع أنَّ الرقيم الْوَادي وَالْخَامِس مَا رُوِيَ عَن الضَّحَّاك وَقَتَادَة أَنَّهُمَا قَالَا: الرقيم الْكتاب وَإِلَى هَذَا يذهب أهل اللُّغَة، وَيَقُولُونَ هُوَ فعيل بِتَأْوِيل مفعولٍ. يُقَال رقمت الْكتاب أَي كتبته، فَهُوَ مرقومٌ ورقيمٌ كَمَا قَالَ ﷿ " كتابٌ مرقومٌ ".
1 / 6
" أخبرنَا ": أَبُو بَكْرٍ محمدٌ بْنُ دريدٍ قَالَ أخبرنَا أَبُو حاتمٍ السَجْسَتَانيّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنِ الْعُتْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. قَالَ: وَلَّى مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَوْحَ بْنَ زنباعٍ عملاٌ، فَبَلَغَتْهُ عَنْهُ خيانةٌ فَصَرَفَهُ وَأَمَرَهُ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَلَمَّا أَخَذَتْهُ السِّيَاطُ قَالَ نشدتكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَهْدِمَ مِنِّي رُكْنًا أنتَ بَنَيْتَهُ، أَوْ تَضِعَ مِنِّي خَسِيسَةً أَنْتَ رَفَعْتَهَا، أَوْ تُشْمِتَ بِي عَدُوًّا أنتَ وَقَصْتَهُ وَبِاللَّهِ إِلا أَتَى حِلْمُكَ عَلَى جَهْلِي، وَعَفْوُكَ عَلَى إِفْسَادِ صَنَائِعِكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِذَا اللَّهُ سنَّى حلَّ عقدٍ تَيَسَّرَا، خليَّا عَنهُ.
" أخبرنَا ": أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَخْفَشُ قَالَ أخبرنَا أَحْمَدُ بن يحيى ثعلبٍ عَن عَمْرو بْنِ شَبَّةَ. قَالَ: تَزَوَّجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا خولةَ بِنْتَ منظورٍ بْنِ زبانَ، فَأَقَامَتْ عِنْدَهُ حَوْلا لَا تكتَحل وَلا تَتَزَيَّنُ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ ابْنا، فَدخل عَلَيْهَا
1 / 7
وَقَدْ تَزَيَّنَتْ، فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالَتْ خِفْتُ أَنْ أَتَزَيَّنَ وَأَتَصَنَّعَ فَيَقُولَ النِّسَاءُ تَجَمَّلَتْ فَلَمْ تَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا، فَأَمَّا وَقَدْ جَاءَ هَذَا فَلا أُبَالِي. فلمَّا مَاتَ الْحَسَنُ جَزِعَتْ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا. فَقَالَ أَبوهَا منظورٌ:
نُبِّئْتُ خَوْلَةَ أَمْسِ قَدْ جزعت ... من أَنْ تَنُوبَ نَوَائِبُ الدَّهْرِ
لَا تَجْزَعِي يَا خَوْلُ وَاصْطَبِرِي ... إنَّ الْكِرَام بنوا على الصَّبْر
" أخبرنَا ": عَبْد اللَّه بْن مالكٍ قَالَ أخبرنَا الزبير بْن بكارٍ عَن عَمه قَالَ: مَاتَ لعَلي بن عبد الله ابنٌ فجزع عَلَيْهِ جزعا شَدِيدا، وَامْتنع من الطَّعَام وَالشرَاب ثَلَاثًا وحجب عَنهُ النَّاس، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع خرج كَاتبه إِلَى الْحَاجِب وَقَالَ ائْذَنْ للنَّاس، فَقَالَ إِنَّه قد مَنَعَنِي من ذَلِك، قَالَ ائْذَنْ لَهُم. فَأذن لَهُم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَقعد الْكَاتِب فِي طريقهم وَقَالَ لَهُم، عزوا الْأَمِير وَسَلُوهُ، فَفَعَلُوا فَلم يَسلهُ شيءٌ من قَوْلهم، حتي دخل عَلَيْهِ عَمْرو بْن حفْصٍ فَقَالَ: أصلح اللَّه الْأَمِير، عَلَيْكُم نزل الْكتاب فَأنْتم أعرف بتأويله، ومنكم رَسُول ﷺ فَأنْتم أعلم بسنته، ولسنا نعلمك شَيْئا نرَاك تجهله، ولكنَّا نذكرك. وَهَذِه أبياتٌ قَالَهَا بعض من أَصَابَهُ مثل مَا أَصَابَك:
1 / 8
لعمري لَئِن أتبعت عَيْنَيْك مَا مضى ... من الدَّهْر أَو سَاق الْحمام إِلَى الْقَبْر
لتستنفدنَّ مَاء الشؤون بأسرها ... وَلَو كنت تمريهن من ثبج الْبَحْر
فَقلت لعبد اللَّه إِذْ حنَّ باكيا ... تعز وَمَاء الْعين منهمر يجْرِي
تبين فَإِن كَانَ البكَا ردَّ هَالكا ... عَليّ أحدٍ فاجهد بكاك عَليّ عَمْرو
وَلَا تبك مَيتا بعد ميتٍ أجنه ... عليٌ وعباسٌ وَآل أبي بكر
وأعزيك ببيتٍ قلته:
وهون مَا ألْقى من الوجد أنني ... أجاوره فِي دَاره الْيَوْم أَو غَدا
فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَطَعِمَ هُوَ وَأَصْحَابه.
1 / 9
" وأنشدني ": ابْن دريدٍ قَالَ أَنْشدني عَبْد الرَّحْمَن بْن أخي الْأَصْمَعِي
صديقك حِين تَسْتَغْنِي كثيرٌ ... وَمَالك عِنْد فقرك من صديق
فَلَا تغْضب عَليّ أحد إِذا مَا ... طوي عَنْك الزِّيَارَة عِنْد ضيق
" أخبرنَا ": أَبُو عَبْد اللَّه نفطويه عَن أَحْمَد بْن يحيي عَنِ ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الصَّبْر مصدر صبرت، وَالصَّبْر لُغَة فِي الصَّبْر لهَذَا المر، وَالصَّبْر الْحَبْس، يُقَال صبرت فلَانا عَليّ كَذَا وَكَذَا أَي حَبسته عَلَيْهِ، وَفِي الحَدِيث أَن رجلا أمسك رجلا فَقتله آخر، فَقيل لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ " اقْتُلُوا الْقَاتِل واصبروا الصابر " أَي احْبِسُوهُ وَالصَّبْر الاجتراء عَليّ الشَّيْء، وَمِنْه قَول اللَّه ﷿ " فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ " أَي مَا أجرأهم عَلَيْهَا. وَقَالَ الْمبرد تَأْوِيله مَا دعاهم إِلَى الصَّبْر عَلَيْهَا وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
سقيناهم كأسا سقونا بِمِثْلِهَا ... ولكنَّنا كنَّا على الْمَوْت أصبرا
أيْ كنَّا أجرأ مِنْهُم عَليّ الْمَوْت فاقتحمناه: " قَالَ أَبُو الْقَاسِم ": أنشدنا أَبُو بكرٍ بْن دريدٍ قَالَ أَنْشدني عَبْد الرَّحْمَن عَن عَمه:
1 / 10
وحبٍّ كأظماء الْبَعِير كتمته ... مَعَ الْقلب لم يعلم بِهِ من ألاطف
وَإِنِّي لأكني الحبَّ حَتَّى أردَّه ... خفيَّ المرد لم تنله الزعانف
فأخفي من الوجد الَّذِي لَو أذيعه ... لحنَّت إِلَيْهِ القاصرات العفائف
" قَالَ أَبُو الْقَاسِم ": أخبرنَا أَبُو إِسْحَاق الزّجاج قَالَ أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد عَن أبي عُثْمَان الْمَازِني عَنِ الْأَصْمَعِي قَالَ: يُقَال أربت النَّاقة بالفحل وألمت بِهِ، وعشقته، إِذا لم تَبْرَح مِنْهُ وألفته، وَمِنْه سميَ الْمُحب عَاشِقًا.
" أخبرنَا ":عَليّ بْن سُلَيْمَان الْأَخْفَش عَن أَحْمَد بْن يحيي عَنِ ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العشقة شجرةٌ يُقَال لَهَا اللبلابة، تخضر ثمَّ تدق ثمَّ تصفر، وَمن ذَلِك اشتقاق العاشق. وَقَالَ وَيُقَال غازل الْكَلْب الظبي. إِذا عدا فِي أَثَره فَلحقه وظفر بِهِ، ثمَّ عدل عَنهُ وَمِنْه مغازلة النِّسَاء، قَالَ كَأَنَّهُ يلاعبها الرجل فتطمعه فِي نَفسهَا، فَإِذا رام تقبيلها انصرفت.
1 / 11
قَالَ أَبُو الْقَاسِم ﵀: أصل المغازلة من الإدارة والفتل، لِأَنَّهُ إدارةٌ عَن أمرٍ، وَمِنْه سمي المغزل لاستدارته وسرعته فِي دورانه، وَسمي الغزال غزالا لسرعته، وَسميت الشَّمْس الغزالة لاستدارتها وسرعتها. وَأنْشد أَبُو إِسْحَاق الزّجاج:
قَالَت لَهُ وارتفقت أَلا فَتى ... يَسُوق بالقوم غزالات الضُّحَى
قَالَ أَبُو الْقَاسِم: ارْتَفَعت - اتكأت.
أخبرنَا: عَبْد اللَّه بْن مالكٍ قَالَ أخبرنَا الزبير بْن بكارٍ عَن عَمه قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه بْن مسلمٍ بْن جندبٍ: طرقني لَيْلَة بعد مَا نمت عِيسَى بْن طلحه بْن عمر ابْن عَبْد اللَّه بْن معمرٍ، فَخرجت إِلَيْهِ فَقلت مَا جَاءَ بك فِي هَذَا الْوَقْت؟ فَقَالَ إِنَّه غنتني السَّاعَة جَارِيَة ابْن حمْرَان قَوْلك:
تَعَالَوْا أعينوني عَليّ اللَّيْل إِنَّه ... عَليّ كل عينٍ لَا تنام طَوِيل
فَقلت لَهُ قضى اللَّه عَنْك الْحُقُوق يَا ابْن أخي، أَبْطَأت بالإجابة حَتَّى أَتَى الله بالفرج.
1 / 12
أنشدنا: أَبُو بكرٍ بْن دريدٍ فَقَالَ أنشدنا عَبْد الرَّحْمَن:
أرى كل من أثرى يرى ذَا مهابةٍ ... وَإِن كَانَ مذموما لئيما نقائبه.
وَمن يفْتَقر يدع الْفَقِير ويمتهن ... غَرِيبا وَيبغض أَن ترَاهُ أَقَاربه.
وَيَرْمِي كَمَا ذُو العر يَرْمِي وَيَتَّقِي ... ويجني ذنوبا كلهَا هُوَ عائبه.
أخبرنَا: ابْن دريدٍ قَالَ أَخْبرنِي عَبْد الرَّحْمَن ابْن أخي الْأَصْمَعِي عَن عَمه قَالَ: مر الْحسن الْبَصْرِيّ ﵀ بِبَاب عمر بْن هُبَيْرَة وَعَلِيهِ الْقُرَّاء، فَسلم ثمَّ قَالَ مالكم جُلُوسًا قد أحفيتم شواربكم، وحلقتم رؤوسكم، وقصرتم أكمامكم، وفلطحتم نعالكم؟ أما وَالله لَو زهدتم فِيمَا عِنْد الْمُلُوك لرغبوا فِيمَا عنْدكُمْ ولكنّكم رغبتم فِيمَا عِنْدهم فزهدوا فِيمَا عنْدكُمْ فضحتم الْقُرَّاء فضحكم اللَّه. قَالَ عَبْد الرَّحْمَن قلت لِعَمِّي - مَا المفلطح - قَالَ هُوَ الشئ يعرض أَعْلَاهُ
1 / 13
ويدق أَسْفَله، وَمِنْه قيل رأسٌ مفلطحٌ، والعامة تَقول مفرطحٌ.
أخبرنَا: أَبُو محمدٍ عَبْد اللَّه بْن مالكٍ قَالَ أخبرنَا الزبير بْن بكارٍ قَالَ حَدثنِي مسلمة قَالَ كَانَ عمر بْن عَبْد اللَّه بْن أبي ربيعَة مستهاما مغرما بِالثُّرَيَّا بنت عَليّ بْن عَبْد اللَّه بْن المجرثعة بْن أُميَّة الْأَصْغَر بْن عَبْد شمسٍ بْن عَبْد منافٍ " وَكَانَت عرضة ذَلِك جمالًا وكمالًا، وَكَانَت تصيف بِالطَّائِف " فَكَانَ يبكر فَيقوم على فرسه فَيسْأَل الركْبَان الَّذين يجيئون بالفاكهة من الطَّائِف عَن الْأَخْبَار يسكن إِلَى مَا يسمعهُ من خَبَرهَا، فَسَأَلَهُمْ ذَات يومٍ عَن مغربات أخبارهم فَقَالُوا: مَا عندنَا خبرٌ إِلَّا أَنا سمعنَا عِنْد رحيلنا صياحا عَالِيا عَليّ امرأةٍ من قريشٍ اسْمهَا على اسْم نجمٍ فِي السَّمَاء قد ذهب عنَّا، فَقَالَ لَهُم عمر الثريا قَالُوا نعم، فَسَار عمر على وَجهه يعدي فرسه فروجه نَحْو الطَّائِف، وأَخذ على طَرِيق كداءٍ وَهِي أَحْزَن الطَّرِيقَيْنِ وأخصرهما حَتَّى وافى الطَّائِف فَوَجَدَهَا سليمَة قد خرجت تتشوفه وَمَعَهَا أختاها رَضِيا وَأم عُثْمَان، فَأَخْبرهَا الْخَبَر
1 / 14
فَقَالَت: أَنا وَالله أَمرتهم بذلك لأعْلم مَالِي عنْدك وَقَالَ عمر فِي وَجهه ذَلِك:
تشكي الْكُمَيْت الجري لمَّا جهدته ... وبيَّن لَو يسطيع أَن يتكلَّما
فَقلت لَهُ إِن ألْقَ للعين قُرَّة ... فهان عليَّ أَن تكلَّ وتسأما
عدمت إِذا وفري وَفَارَقت مهجتي ... لَئِن لم أقل فزنا أَن اللَّه سلَّما
لذَلِك أدني دون خيلي رباطه ... وأوصي بِهِ أَن لَا يهان ويكرما
" قَالَ أَبُو الْقَاسِم ": يُقَال عدَّى الْفرس وأعداه فارسه إِذا حمله عَليّ الْعَدو وكل الرجل إِذا ضعف يكل كلا وكلالة، وَمِنْه الْكَلَالَة فِي النّسَب إِنَّمَا هُوَ من الضعْف، لِأَنَّهُ مَا عدا الْوَلَد وَالْوَالِد وَبَعض الْعلمَاء جعل الْكَلَالَة فِي قَوْله يُورَثُ كَلالَةً المتوفَّى وَبَعْضهمْ يَجعله المَال، وَأَكْثَرهم مَا بدأنا بِهِ. وَالْكل الضَّعِيف، وَالْكل الصَّنَم.
" أخبرنَا ": أَبُو بكر بْن الْحسن بن دريدٍ قَالَ أَنْشدني الرياشي:
أَلا قَاتل اللَّه الْحَمَامَة غدْوَة ... عَليّ الْفَرْع مَاذَا هيجت حِين غنَّت
1 / 15
تغنت غناء أعجميا فهيجت ... جوايَ الَّذِي كَانَت ضلوعي أجنَّت
نظرت بصحراء البريقَيْن نظرة ... حجازيَّةً لَو جنَّ طرفٌ لجنَّت
" أخبرنَا ": أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بْن مُحَمَّد بْن عرفه عَن أَحْمَد بْن يحيي عَنِ الرياشي قَالَ سَمُرَة بْن جندبٍ: مَاتَ مُحَمَّد بْن الْحجَّاج بْن يُوسُف، فَلَمَّا انصرفنا من جنَازَته اجتزت بشيخ من بني عقيلٍ، فَقَالَ لي من أَيْن؟ فَقلت من جَنَازَة مُحَمَّد بْن الْحجَّاج بْن يُوسُف، فَأَنْشَأَ الشَّيْخ يَقُولُ:
فَذُوقُوا كَمَا ذقنا غَدَاة محجرٍ ... من الغيظ فِي أكبادنا والتَحَوب
قَالَ وَكَانَ الْحجَّاج قد قتل ابْنا للشَّيْخ.
" أنشدنا ": ابْن دريدٍ قَالَ أنشدنا أَبُو عُثْمَان عَنِ التوزي عَن أبي عُبَيْدَة لرجلٍ من بني عَبْد شمسٍ:
دَعَاني سهمٌ دَعْوَة فأجبته ... وَمن ذَا الَّذِي يُرْجَى لنائبةٍ بعدِي
فَلَو بِي بدأتم ثمَّ من قد دعوتم ... لفرَّجت عَنْكُم كلَّ نائبة جهدي
إِذا الْمَرْء ذُو الْقُرْبَى وَذُو الود أجحفت ... بِهِ نكبةٌ سلت مصيبته حقدي
1 / 16
" أخبرنَا ": أَبُو الْحسن الْأَخْفَش قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بْن يزِيد الْمبرد عَن أبي عُثْمَان الْمَازِني عَنِ الْأَصْمَعِي عَن أبي عمروٍ بْن الْعَلَاء قَالَ: قيل لرجلٍ من بكر بْن وائلٍ قد عَاشَ ثَلَاثِينَ ومائتي سنةٍ كَيفَ رَأَيْت الدُّنْيَا؟ قَالَ قد عِشْت مائَة سنةٍ لم أصدع فِيهَا، ثمَّ أصابني فِي الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَة مَا يُصِيب النَّاس.
- أخبرنَا: الْأَخْفَش عَن أَحْمَد بْن يحيي ثعلبٍ:
إِن معَاذ بْن مسلمٍ رجلٌ ... قد ضجَّ من طول عمره الْأَبَد
قد شَاب رَأس الزَّمَان واكتهل الد ... هر وأثواب عمره جدد
يَا نسر لُقْمَان كم تعيش وَكم ... تسحب ذيل الْحَيَاة يَا لبد
1 / 17
قد أَصبَحت دَار آدمَ خربَتْ ... وَأَنت فِيهَا كَأَنَّك الوتد
تسْأَل غربانها إِذا حجلت ... كَيفَ يكون الصداع والرمد
مصححٌ كالظليم ترفل فِي ... ثَوْبَيْنِ مِنْك الجبين يتقد
أدْركْت نوحًا ورضت بغلة ذِي القر ... نين شَيخا لولدك الْوَلَد
فانعم مَلِيًّا إِن غايتك المو ... ت وَإِن عز ركنك الْجلد
هَذَا الشّعْر فِيمَا ذكر أَبُو بكرٍ الصولي لسهل بْن غالبٍ الخزرجي ويكني أَبَا السّري. وأنشدنا عَنهُ لِضِرَار بن عتبَة العبشمي:
أحب الشيءَ ثمَّ أصد عَنهُ ... مَخَافَة أَن يكون بِهِ مقَال
أحاذر أَن يُقَال لنا فنخزي ... ونعلم مَا يسب بِهِ الرِّجَال
" أخبرنَا ": الْأَخْفَش قَالَ أخبرنَا أَحْمَد بْن يحيي عَنِ ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي الْفضل عَن الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ
1 / 18
سَمِعت شَيخا من بني العجيف يَقُولُ تمنيت دَارا فَبَقيت فِيهَا أَرْبَعَة أشهر مفكرا فِي الدرجَة أَيْن تقع. " قَالَ أَبُو الْقَاسِم الزجاجي ": وَقيل لرجلٍ من الضباب تمن، فتمني خباءٍ وقوسا فِي جلة فِي ليلةٍ مطرةٍ، وَأَن يجيءَ الْكَلْب فَيدْخل مَعَه الخباء. قَالَ أَبُو الْقَاسِم: الْقوس بَقِيَّة التَّمْر فِي الجلة، والأسّ بَقِيَّة الْعَسَل فِي وعائه أَو الْموضع الَّذِي يشتار مِنْهُ والكعب بَقِيَّة السّمن فِي النحي، والهلال بَقِيَّة المَاء فِي الْحَوْض، والشفا مقصورٌ بَقِيَّة كل شيءٍ وَيُقَال للعسل هُوَ الْعَسَل واللوص، والأري، والضحك، والسعابيب، والطريم. وَيُقَال تمني الرجل إِذا حدثَّ نفسهن وتمني إِذا سَأَلَ ربَّه، وتمني إِذا كذب. واجتاز بعض الْعَرَب بِابْن دأبٍ وَهُوَ يحدث قوما فَقَالَ لَهُ: أَهَذا
1 / 19