البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
Yayıncı
دار ابن الجوزي
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
(١٤٢٦ - ١٤٣٦ هـ)
Yayın Yeri
الرياض
Türler
وأصفاها"، وهذا كاليد، فإنها قويّة، ليّنة، بخلاف ما يقسو من العقب، فإنه يابس، لا لين فيه، وإن كان فيه قوّة، وهو سبحانه ذكر وَجَلَ القلب من ذكره، ثم ذكر زيادة الإيمان عند تلاوة كتابه علمًا وعملًا.
ثم لا بدّ من التوكّل على الله تعالى فيما لا يقدر عليه، ومن طاعته فيما يقدر عليه، وأصل ذلك الصلاة، والزكاة، فمن قام بهذه الخمس، كما أُمر لزم أن يأتي بسائر الواجبات.
بل الصلاة نفسها إذا فعلها كما أُمِرَ، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما روي عن ابن مسعود، وابن عبّاس ﵃: "إن في الصلاة منتهًى ومُزدجرًا عن معاصي الله، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بُعدًا"، وقوله: "لم يزدد إلا بُعدًا" إذا كان ما ترك من الواجب منها أعظم مما فعله، أبعده ترك الواجب الأكثر من الله أكثر مما قرّبه فعل الواجب الأقلّ، وهذا كما في "الصحيح" عن النبيّ ﷺ أنه قال: "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلًا". وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)﴾ [النساء: ١٤٢].
وفي "السنن" عن عمّار ﵁ عن النبيّ ﷺ أنه قال: "إن العبد لينصرف من صلاته، ولم يُكتب له منه إلا نصفها، إلا ثلثها"، حتى قال: "إلا عشرها"، وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، قال: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها"، وهذا وإن لم يؤمر بإعادة الصلاة عند أكثر العلماء، لكن يؤمر بأن يأتي من التطوّعات بما يَجْبُرُ نقص فرضه، ومعلوم أن من حافظ على الصلوات بخشوعها الباطن، وأعمالها الظاهرة، وكان يخشى الله الخشية التي أمره بها، فإنه يأتي بالواجبات، ولا يأتي كبيرة، ومن أتى الكبائر، مثل الزنا، أو السرقة، أو شرب الخمر، وغير ذلك، فلا بدّ أن يذهب ما في قلبه من تلك الخشية والخشوع والنور، وإن بقي أصل التصديق في قلبه، وهذا من الإيمان الذي يُنزع منه عند فعل الكبيرة، كما قال النبيّ ﷺ: "لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق، وهو مؤمن". فإن المتّقين كما وصفهم الله تعالى
1 / 51