القليل، والبيان النّزر، والخوف المانع؛ وإنّي لأظنّ أن الطائع لك في هذه الخطة، والمجيب عن هذه المسألة، قليل التقّية، سيّء البقية، ضعيف البديهة والرويّة؛ لأنه يتصدّى لما لا يفي به، ولا يتسّع له، ولا يتمكّن منه؛ فإن وفى واتسّع وتمكّن لم يسلم على كثير ممن يقرأ كلامه، ويتصفّح أمره، ويقصّ أثره، ويطلب عثرته؛ لأنّ الناس في نشر المدح والذمّ، وفي بسط العذر واللّوم؛ على آراء مختلفة، ومذاهب متباينة، وأهواء مشتعلة، وعادات مُتعانِدة.
على أنّهم، بعد شدّة جدالهم وطول مِرائهم، رجلان: متعصّب لمن تذُمّه وتَعيبه وتَنثُّ القبيح عنه، فهو يغتفر له جميع ما يسمع منك، صادقًا كنت أو كاذبًا، مُعرّضًا كنت أو مفصحًا.
أو مُتعصّب على من تمدحه وتُزكّيه وتُفضله وتُثني عليه، فهو يرُدّ عليك كلّ ما تدّعيه، مُحققًا كنت أو مُجزِّفًا، موضِّحًا كنتَ أو مُزخرفًا؛ ولذلك قال بعض علماء السلف الصالح: هما أمران مَثواك بينهما، راضٍ عنك فهو يمنحك أكثر مما هو لك، وساخطٌ عليك يتنقّصك من حقّك؛ فرُمَّ ما ثلَم الباغي بفضلة الراضي يعتدل بك الأمر؛
1 / 16