من سنة 1909
إن قراءنا كادوا يتهموننا باللت والعجن بل بالإفراط في اللت والعجن، لكثرة ما كتبناه في هذا المعنى منذ نيف وأربعين سنة.
منذ حملنا القلم في الصحافة ونحن نكتب ونعيد أن القصيدة بنية كاملة، وأن الإعجاب ببيت القصيد جهل بالشعر والأدب وميزان في النقد يجب أن نحطمه ونعفي عليه.
وفي سنة 1909 نشر حافظ إبراهيم قصيدته التي يقول في مطلعها:
لقد نصل الدجى فمتى تنام
أهم ذاد نومك أم هيام
فكتبنا في صحيفة الدستور ما خلاصته أنه أخذ قطعة من الحرير وقطعة من المخمل وقطعة من الكتان، وكل منها صالح لصنع كساء فاخر من نسجه ولونه، ولكنها إذا أجمعت على كساء واحد فتلك هي «مرقعية الدراويش».
وفي سنة 1921 أصدرنا كتابا مستقلا لنقد الشعر الذي لا تلاحظ فيه بنية القصيدة، وقلنا في الصفحة السابعة والأربعين من ذلك الكتاب، كتاب الديوان: ... ورأيتهم يحسبون البيت من القصيدة جزءا قائما بنفسه لا عضوا متصلا بسائر أعضائها، فيقولون أفخر بيت وأغزل بيت وأشجع بيت، وهذا بيت القصيد وواسطة العقد كأنما الأبيات في القصيدة حبات عقد تشترى كل منها بقيمتها فلا يفقدها انفصالها عن سائر الحبات شيئا من جوهرها.
وقلنا قبل ذلك: «إن القصيدة الشعرية كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز أجهزته ولا يغني عنه غيره في موضعه إلا كما تغني الأذن عن العين أو القدم عن الكف أو القلب عن المعدة، أو هي كالبيت المقسم لكل حجرة منه مكانها وفائدتها وهندستها.»
وختمنا هذا البحث قائلين: «إننا لا نريد تعقيبا كتعقيب الأقيسة المنطقية ولا تقسيما كتقسيم المسائل الرياضية، وإنما نريد أن يشيع الخاطر في القصيدة ولا ينفرد كل بيت بخاطر، فتكون كما أسلفنا بالأشلاء المعلقة أشبه منها بالأعضاء المنسقة ...»
Bilinmeyen sayfa