Fikirler ve İnsanlar: Batı Düşüncesinin Öyküsü

Mahmut Mahmud d. 1450 AH
89

Fikirler ve İnsanlar: Batı Düşüncesinin Öyküsü

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

Türler

ولكن معالجة الموضوع من الناحية المضادة ممكن أيضا. متى تنتهي العصور الوسطى؟ إننا إذا أردنا الجدل قلنا إنها لم تنته قط. إن أية افتتاحية صحفية تستطيع أن تشير اليوم إلى «الوسيط» و«الإقطاعي» في شيء من التحقير - كقولها «شوارع بوسطن الوسيطة» و«أصحاب المكاتب الإقطاعيون في واشنطن». وتستطيع إن كنت أكثر جدية واخترت أمثلة محسوسة في مختلف ميادين الثقافة البشرية أن تجد الطرق الوسيطة متغلغلة في وضوح شديد في أوروبا الغربية حتى القرن السابع عشر؛ فهناك النظام القضائي في إنجلترا، ونظام تسليك الأراضي في فرنسا، والمكاييل والموازين الوسيطة في كل مكان، وكثير أيضا في كل مكان - في أوروبا البروتستانتية وأوروبا الكاثوليكية على السواء - مما حاولنا في الفصول السابقة أن نصفه بأسلوب الحياة المسيحية. إن المستعمرين البريطانيين الذين وفدوا في القرن السابع عشر إلى فرجنيا وإنجلترا الجديدة جلبوا معهم قدرا مذهلا من صفات العصور الوسطى؛ جلبوا معهم نظام الساحات الشعبية، وأدوات التعذيب التي توضع في الأرجل والأعناق، والاعتقاد في الساحرات، وآثارا من فن بناء المنازل في العصور الوسطى. بل وقد جلب مستعمرو فرنسا الجديدة نظام السادة ونظام الإقطاع، الذي لا تزال آثاره باقية في إقليم كويبك.

وإذن فقد امتدت العصور الوسطى إلى العصر الحديث بطريقة لا تمثلها في الواقع حياة أي كائن عضوي بمفرده. ولا يستطيع التاريخ القصصي التقليدي أن يحيط حقا بمركبات التحول الثقافي. ولن نتخلى هنا بأية وسيلة عن المعالجة التاريخية، ولكنا سوف نحاول أن ندمجها بالمعالجة التحليلية. وفي الفصول الثلاثة التالية سنعالج بناء طريقة الحياة الجديدة في القرون المتأخرة، الخامس عشر، والسادس عشر، والسابع عشر. وسوف ننظر من أجل التحليل في الفن، والأدب، والدين، والعلم والتكنولوجيا، كل على حدة، محاولين ألا ننسى أنها كانت في الحياة الواقعية لمجتمعنا متحدة اتحادا لا ينفصم.

وبهذه الطريقة سوف نتخلى عن المعالجة الزمنية التقريبية التي لجأنا إليها حتى الآن، وسوف نسير في اتجاه مضاد للقاعدة القائمة في كتابة التاريخ، التي تقبل التقسيم إلى عصور تقسيما تقريبيا بالقرون - وإن كان لا بد من دفع النهضة إلى الوراء حتى تبلغ القرن الخامس عشر، بل والرابع عشر. وسوف نعالج الإنسانية، والبروتستانتية، ومذهب التعقل، باعتبارها أجزاء مكونة للحياة العقلية في الغرب التي يمكن من أجل التحليل أن تنفصل عن الكل، وتعالج كوحدة خلال القرون التي تقع على وجه التقريب فيما بين عامي 1450م و1700م التي تفصل العصور الوسطى عن عصر النور. وموضوعنا الرئيسي هو: كيف تحولت النظرة إلى الحياة في العصور الوسطى إلى نظرة أخرى للحياة في القرن الثامن عشر؟ وهذه النظرة إلى الحياة في القرن الثامن عشر، لا تزال، في أعماقها هي نظرتنا إليها ، وبخاصة في الولايات المتحدة - بالرغم مما دخل عليها من تعديل في القرنين الأخيرين؛ فالقرون الأخيرة: الخامس عشر، والسادس عشر، والسابع عشر، هي من هذه الناحية «فترة انتقال» في أساسها، وهي في صميمها سنوات الإعداد لعصر «النور». وفي هذا الانتقال نجد الإنسانية، والبروتستانتية، ومذهب التعقل (والتاريخ الطبيعي) تفعل فعلها في زعزعة النظرة الكونية الوسيطة، والإعداد للنظرة الكونية الحديثة.

إنها تفعل فعلها - كما هو شأن الأفكار دائما عن طريق قلوب الرجال والنساء وعقولهم، وهم رجال ونساء ليسوا - البتة - من أصحاب الفكر الخالص. وهي لا تعلل كل التاريخ الحديث، بل هي - من ناحية ما - أفكار مجردة نبنيها في عقولنا مجاهدين أن نجعل للماضي معنى. إننا نعتقد ما نعتقد اليوم، ونسلك سلوكنا، بسبب ما قاله وما فعله - إلى حد ما - منذ عدة قرون، الرجال الذين نسميهم إنسانيين، أو بروتستانت أو متعقلين.

اصطلاح «النهضة» و«الإصلاح الديني»

حدث ذات مرة أن توءمين من أصحاب الشعر الأحمر؛ الأول: اسمه «النهضة»، والثاني: «الإصلاح الديني»، نالهما الاضطهاد ولحقتهما الإساءة، فانقلبا على زوجة أبيهما: الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، وهي أم شريرة برغم ضعفها.

إن كتب التاريخ - بطبيعة الحال - لم ترو القصة قط بمثل هذه البساطة وهذه الطريقة غير الكريمة. ولم يكن بوسعها البتة أن تبدأ الموضوع كما تبدأ الحكاية الخرافية. غير أن أكثر الأمريكان - إذا استثنينا الرومان الكاثوليك - ممن درسوا شيئا عن تاريخ أوروبا خرجوا بفكرة أن الحركتين اللتين نطلق عليهما «الإصلاح البروتستانتي» و«النهضة» كانتا متحدتين بطريقة ما في وحيهما والغرض منهما. كانت الحركة الأولى تتجه نحو الحرية الدينية، والثانية تتجه نحو الحرية الفنية، وكلتاهما تعملان من أجل الحرية الخلقية، ومن أجل ما أصبح الديمقراطية في القرن التاسع عشر بطبيعة الحال. كلتاهما تهدف إلى «تحرير» الفرد العادي من القيود التي ائتلفت العادة والخرافة لكي تفرضهما عليه في العصور الوسطى.

وحتى هذا الرأي الذي قد يضلل كثيرا ليس «كله» خطأ؛ فما أكثر أتباع لوثر الذين شعروا بنوع من السمو، بإحساس التحرر من الالتزامات الروتينية التي تحصرهم، وبثقة جديدة في قدراتهم الخاصة. ونعرف حق المعرفة أن الفنانين ورجال الأدب، والعلماء والمكتشفين، أحسوا جميعا بدفعة العوالم الجديدة التي يمكن أن تغري، والفرص الجديدة لأداء الأعمال بشتى ضروبها، وذلك بطرق لم يطرقها أحد من قبل، ومن ثم فهي طرق تجعلهم يحسون بأنفسهم، وبأنهم شخصيات فذة. وبالرغم مما في المصطلحات من غموض، إلا أن هناك مغزى ما من نسبة العصور الوسطى إلى «التسلط» والنهضة والإصلاح الديني إلى «التحرر»، ولكنك إن وقفت عند هذا الحد كان المغزى ضعيفا.

ذلك لأن الوقائع أشد تعقيدا من الصيغ العامة التي تستهدف تفسيرها؛ فلقد جاء لوثر إلى سلطته ليستعين بها على إخماد «ثورة الفلاحين». كما أن كثيرا من الإنسانيين المتحررين في عهد النهضة أقاموا أساتذة الأدب الإغريقي ثقاتا (متسلطين) لا يجوز لهم مساءلتهم، كانوا نماذج لكل ما كتبوا. وكان شيشرون وأفلاطون محل عبادة عمياء لم يصل إليها أي أستاذ في الأدب من قبل. ومن المألوف في النهضة أن تلتقي في ميدان السياسة بالحاكم المتعسف المستبد. إن النهضة والإصلاح كليهما لم يتجها بوعي منهما نحو حرية الفرد ذات الصفة الديمقراطية.

وأبعد عن الصواب من ذلك أن نقول إن النهضة والإصلاح الديني كانا دائما يعملان معا في انسجام لتحقيق هدف واحد؛ فإن الكالفني المخلص كان يفزع عند لقائه بفنان النهضة الذي ينحت النماذج العارية، ويعيش عيشة استهتار وبذخ، ولا يفكر في غده. وكذلك كان لوثر يمقت أرازمس الإنساني، وكان شعور البغض بينهما متبادلا. وليست المقابلة هنا بين الزاهد المتدين والفنان الذي يخضع في إخلاص لشهواته الحسية بالأمر الهين اليسير. كان أرازمس يحب المسيحية، وكان يحب الإغريقية السليمة، وحديث العلماء بعد مائدة العشاء، وكان يحب الإدراك العام بطريقة أكاديمية، كان ثائرا جد ضعيف. إن سيرة حياته وشخصيته في الواقع لتتفق إلا في القليل مع الصيغ الجافة التي تعبر عن النهضة والإصلاح الديني.

Bilinmeyen sayfa