Fikirler ve İnsanlar: Batı Düşüncesinin Öyküsü

Mahmut Mahmud d. 1450 AH
84

Fikirler ve İnsanlar: Batı Düşüncesinin Öyküsü

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

Türler

ولسنا بحاجة هنا إلى أن نشغل أنفسنا برواية تاريخ هذه الحركة أو تلك من الحركات الاجتماعية في العهد المتأخر من العصور الوسطى، مثل حركة جاكري في فرنسا، أو حرب الفلاحين في ألمانيا في عهد لوثر في القرن السادس عشر، التي يمكن أن تعتبر آخر هذه الحركات الوسيطة أو أولها في العصر الحديث. والواقع أن حرب الفلاحين أقرب إلى العصور الوسطى في كثير من النواحي منها إلى العصر الحديث. ولم تنجح إحدى هذه الحركات في الظاهر أمدا طويلا. وجميعها في نظر الباحث الاجتماعي في الثورات ثورات غير ناضجة. ولكنها مع ذلك شائقة بالنسبة إلى الضوء الذي تلقيه على فشل المجتمع الطبقي الذي ساد في العصور الوسطى، أو في أواخرها على الأقل، فشله في مقابلة حاجات الطبقات الدنيا، وهي تؤكد مرة أخرى العناصر الثورية الكامنة في العقيدة المسيحية، وهي أمثلة طيبة لانتشار الأفكار في مجتمع يجهل القراءة والكتابة نسبيا. وهي كذلك مليئة بالعنف والقسوة، من جانب الثوار والمدافعين عن النظام القائم الفائزين في نهاية الأمر، على السواء. ومن العسير أن تثبت أن قسوة الإنسان على الإنسان كانت أشد في إرهاب عام 1794م منها في حركة جاكري في فرنسا في القرن الرابع عشر، كما كانت أشد من الفتك بالناس الذي حدث في الأربعينيات من القرن العشرين منها في حرب الفلاحين في العشرينيات من القرن السادس عشر في ألمانيا.

لم يوجد في تلك العصور رجل نظري أو أيديولوجي مفرد، لم يوجد شبيه لروسو، أو ماركس. بل كانت تلك الحقبة من التاريخ تستمد الكثير من أفكارها من المثقفين - قسسا كانوا أم رهبانا - الذين كانوا هم إلى حد ما قواد الحركة. ويصدق هذا بصفة خاصة على رجل مثل وايكليف في إنجلترا، وهو عالم مدرب، وأحد الرجال العديدين المعروفين باسم: «خاتمة العلماء»، وقد كتب في أواخر حياته مذكرات بالإنجليزية بدلا من اللاتينية الأكاديمية، ونقل الإنجيل إلى الإنجليزية. ولكن حتى زعماء هذه العصور الأقل درجة في الثقافة كانوا على علم بالكثير من الميراث الثقافي الوسيط. والواقع أن هذه الحركات المتأخرة، كحركات الإصلاح الرومانتيكية القديمة، والزندقات الشائعة القديمة، وحركة البيوريتان في بيدمونت ودو فيني وبروفانس، وحركة الهرطقة التي سادت جنوبي فرنسا واضطهد أصحابها لانتقادهم مفاسد الكنيسة، وما شابه هذه الحركات - كل هذه الحركات كان لا يزال يدور حول الدراما المسيحية العظمى، وكلها هرطقات مسيحية بمعنى من المعاني. ومن المبالغة في تبسيط الأمور أن نقول إن الموجة الكبيرة الأولى من الهرطقة، موجة المعرفة الروحية، والآريين، وغيرهما، في القرنين الثاني والثالث، كانت في أساسها دينية وفلسفية، وإن الموجة الثانية من حركة الهرطقة الفرنسية التي ذكرناها إلى ثورة لوثر التي نجحت في النهاية كانت في أساسها اجتماعية واقتصادية. إنك لا تستطيع أن تقسم الحركات التي تقوم على أساس جميع الحاجات والقدرات البشرية تقسيما واضحا كهذا. ولكن هذه الثورات التي نشبت في العصور الوسطى كانت برغم ذلك تتجه نحو هذه الدنيا بشكل واضح. إنها تستخدم ألفاظ الديانة المسيحية، وهي في بعض أشكالها تنم عن العقيدة الجازمة في ألف عام سعيدة وهي من العقائد المسيحية، ولكنها في أكثر الأحيان لا تتوقع ظهور المسيح فعلا للمرة الثانية. إنها ترمي إلى إعادة توزيع الثروة في هذا العالم، وإلى إذلال الغني والمتكبر، وإلى تطوير العالم المنظم تنظيما بالغا في العصور الوسطى على أساس الطبقات الاجتماعية تطويرا أساسيا. وهي تفشل في غرضها الأساسي، وهو حل مشكلة الفقر، ولكنها تحطم المجتمع الإقطاعي - في غرب أوروبا على الأقل - شيئا فشيئا، وبمعونة ظهور اقتصاد أساسه العملة وظهور طبقة وسطى، كما سوف نرى في الفصل القادم.

وقد اتجه وايكليف وأتباعه، قسس «لولارد» الفقراء (ويسمون أصحاب السر) رأسا إلى الناس، وبقصد أو بغير قصد أثاروهم نحو ثورة الفلاحين. وقد أخمدت الحركة باتحاد الطبقات القديمة صاحبة الامتياز أصحاب الثراء المحدثين. وليس هذا على أية حال هو النمط الوحيد لمثل هذه المحاولات الوسيطة للاتجاه نحو الناس. فإن من بين الحركات الشعبية الوسيطة الرائعة حركة الإخوان الفقراء في القرن الثالث عشر. وأذكر هنا مرة أخرى أن النظم الكبرى، نظم سنت فرانسيس وسنت دومينيك، إذا رئيت من الخارج، ومن وجهة نظر المذهب الطبيعي التاريخي، تمثل نمطا آخر من عمل الكنيسة في وجه القلق الشديد الذي استولى على الجماهير.

والنمط الذي نشير إليه كان في إيجاز وبساطة على هذه الصورة، كان التطور في الظروف الاجتماعية، وأي تدهور في النظام السائد والترتيب القائم، كحدوث الحرب والمجاعات والأمراض على غير انتظار، وحركات الاضطراب بين أعداد كبيرة من الناس (كما حدث في الحروب الصليبية) والتغيرات التكنولوجية التي تجعل طرق العيش العتيقة أمرا مستحيلا (كما حدث عند الانتقال من زراعة الحبوب إلى الرعي، أو عند ظهور المدن الكبرى المتخصصة في صناعة النسيج)؛ إن كانت أية مجموعة من التطورات من هذا القبيل تبصر المقلقلين والمضطربين من الناس، بل والذين لا يجدون قوتهم أحيانا، بالهوة التي تقع بين المثل المسيحية والحياة الواقعة، ويتأثر بهذه الهوة تأثرا بالغا رجل موهوب، يكاد يكون دائما عضوا في الطبقة المميزة بحكم مولده، ويقوم مرة أخرى بدور النبي والزعيم.

ولم تكن ثمة مندوحة عن أن يكون وحي مثل هذا الرجل في العصور الوسطى، وطريقة تفكيره، على غرار المسيحية؛ فكان ينادي بإحياء الروح المسيحية القديمة التي لا ترضى أن يبقى العالم في حمأة الشرور. كان يريد للمسيح أن يعود إلى الأرض مرة أخرى، لا بالمعنى الحرفي الساذج الذي آمنت به الأجيال المسيحية القلائل الأولى، التي كانت تتوقع أن ترى المسيح بلحمه ودمه، ولكن بمعنى أن يحاول الناس أن يعيشوا كما أراد لهم المسيح أن يعيشوا، وهو نفسه - إن كان مثل فرانسيس الأسيسي - يتخلى عن مركزه الدنيوي ويحذو حذو المسيح في فقره وازدرائه لهذا العالم، عالم الجسد. إنه يعيش مع الفقراء ويجمع حوله تلاميذه الذين ينقلون بدورهم كلمة الله إلى الفقراء والتعساء، ولا يثيرون فيهم الحقد ضد الأغنياء، ولا يحدثون ثورة اجتماعية من نوع الثورة التي نربطها نحن أبناء هذا العصر بالماركسية أو الشيوعية، ولكنهم يحدثون ثورة روحية فيهم وفي جميع الناس، ثورة تعود عليهم بطمأنينة النفس عن طريق اتحادهم مع الله. ويتخذه أكثر تلاميذه وأتباعه مثالا، ويسير النظام الذي يؤسسه لفترة ما طبقا لمعاييره إلى حد كبير.

ومهما يكن من أمر فإن الحد الفاصل بين الروح والجسد صعب التحديد، فكانت العامة تميل إلى الانجذاب نحو الغايات المادية في الثورة الاجتماعية، أو تميل إلى العودة إلى قبولهم نصيبهم من الدنيا. ولكن الزعماء اهتدوا إلى وسائل أدق وأكثر تنوعا للتوفيق مع هذه الدنيا. وكان سنت فرانسيس نفسه صوفيا لا يثق بتعليل العقل، يمقت كالمجددين عالم الكتب المنظم الذي يدعي ما لا قدرة له عليه، وأراد أن يأخذ الناس عنه نظامه لا تعوقهم الملكية المجسدة ولا تفسدهم الكتب. ومع ذلك فلم ينقض عام بعد وفاته حتى كان النظام الفرانسيسي قد جمع ثروة كبرى، وكان الفرانسيسكان يشتركون اشتراكا كاملا في عالم البحث في العصور الوسطى. وقد كان روجر بيكون، الذي التقينا به من قبل كشخصية كبرى في تاريخ العلم، فرانسيسكانيا من أكسفورد.

وأما النظام الآخر الفقير، نظام الدومينيكان، فأصوله أبعد عن روح الثورة النزيهة ضد نظام المجتمع القائم من الأصول التي رجع إليها سنت فرانسيس. أحس سنت دومينيك إحساسا عميقا بنكبة الجماهير، وثار ضد فشل الرعاة المكلفين برعاية الرعية، ولكنه كان هو وإخوانه منذ البداية أقل تطرفا في التمسك بالإنجيل. وقربوا الإنجيل إلى الناس بالمهارة والحماسة في الوعظ، وأخذوا شفاء نفوسهم مأخذ الجد. وقد رسموا هم أيضا - كما فعل الفرنسيسكان - طريق التوفيق مع الدنيا، وتميزوا في السنوات الأخيرة بإخلاصهم العلمي لتاريخ الكنيسة.

وإذن فقد وجد بين شعوب العرب في العصور الوسطى - وبخاصة في نهاية هذه العصور - موقفان من الصعب التوفيق بينهما وبين الفكرة التي ترى أن هذه الجماهير كانت رعية راضية في رعاية القسيس والمحارب: الأول سيل من الفكاهة الجافة، بلغت حد الوقاحة، الفكاهة التي يروق لها أن تشير إلى التباين بين النظرية الخيالية والأداء الدنيوي، والثاني سلسلة من الثورات الشعبية، مسيحية في وحيها، يتزعمها في الأغلب القسس والرهبان، تستهدف تحقيق شيء يشبه الشيوعية المسيحية هنا فوق هذه الأرض. وبرغم هذه القوى الهدامة فقد جلبت العصور الوسطى للإنسان في الغرب درجة من الاتزان الاجتماعي، ونوعا من الأمن، يندر أن تجده اليوم في الغرب.

وقد كان مجتمع القرية أو المدينة في أحسن أيام العصور الوسطى حقا مجتمعا أقامت فيه التقاليد، يعززها سلطان الدين، شبكة من الحقوق والواجبات المتبادلة، يستطيع كل امرئ - من الرقيق إلى السيد الإقطاعي - أن يجد ذلك الأمن الذي يأتي به العلم بأن لكل امرئ مكانته، أو وضعه، وسط مجموعة منظمة من قواعد السلوك تقوم على فكرة دقيقة عن الكون ومكانة الإنسان فيه. ولم يقرأ الفلاح بطبيعة الحال أكويناس. غير أن شيئا من أكويناس، ومن فلسفة الكون كلها في العصور الوسطى، تحدر إلى الفلاح. وتستطيع أن ترى كيف أن هذا التوازن الاجتماعي قد اتبع تفصيلا، من زراعة المحصول إلى توزيعه، ومن قواعد توريث الأرض إلى قواعد الحياة اليومية، وفي كتب ككتاب جورج هومان «القرويون الإنجليز في القرن الثاني عشر»، وكتاب مارك بوخ الذي جاء متأخرا، وعنوانه «الصفات الأساسية لتاريخ الريف الفرنسي». ولم يكن هذا التوازن - كما عرفنا من قبل - كاملا. وسرعان ما تحطم - بظهور ما نسميه اليوم الاقتصاد الرأسمالي وبكثير غير ذلك - مما نظنه حديثا. وربما كانت أبسط الصيغ التي تعبر عن ذلك وأكثرها اعتدالا هذه العبارة: كانت الحياة في العصور الوسطى للرجل العادي في الغرب أكثر أمنا من الناحية النفسية، وأقل تنافسا، من حياتنا اليوم، بالرغم من تعرضها للكثير مما نجد فيه مشقة وتعبا. كانت حياة تكاد تخلو من الشك والارتياب الأساسي في الدين والأخلاق.

تقويم ثقافة العصور الوسطى

Bilinmeyen sayfa