Fikirler ve İnsanlar: Batı Düşüncesinin Öyküsü

Mahmut Mahmud d. 1450 AH
73

Fikirler ve İnsanlar: Batı Düşüncesinin Öyküsü

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

Türler

وقانون الطبيعة هذا ليس قانونا طبيعيا كما يفسره أكثر العلماء المحدثين. والواقع أن العالم الذي يألف الاختبارات العملية لبيان صحة الفوارق عنده، قد يرى هذه الفوارق التقليدية الخلقية غامضة، ذاتية إلى حد كبير، وعرضة دائما للخلاف وسوء التفاهم. إن الترمومتر - بل والإدراك العام - يهدينا إلى تجمد الماء. ولكن أين الآلة، وأين القدرة البشرية، التي تهدينا بوضوح متى يصبح «السلطان» «ملكية»؟ وإذا زعم زاعم أن «السلطان» عند فرد ما هو «الملكية» عند الآخر، أو أن «السلطان» ليس إلا لفظة جميلة تصف نفس الظاهرة التي تصفها «الملكية» وصفا غير مستحب، إذا زعم هذا لنا زاعم، فبماذا نجيبه؟ إن أمثال هذه الصعوبات التي نصادفها من جراء عدم الدقة الظاهر وحالة التغير في الأحكام الخلقية كانت شائعة شيوعا كافيا بين الأثينيين في أيام سقراط، وهي كذلك شائعة بيننا اليوم، ولكن هذه الصعوبات لم تزعج المفكر في العصور الوسطى، حتى إن كان «جامد الفكر» كما حاول أبيلارد أن يكون.

ذلك لأن المفكر في العصور الوسطى يجيبك بأن الترمومتر - بل وإدراكك العام - لا يمكن أن يبت إلا في مسائل محدودة من الواقع المادي. أما إذا استخدمنا قدراتنا البشرية كاملة كما أراد لنا الله استطعنا أن نجيب بوثوق أشد عن المشكلات الكبرى، مشكلات الحق والباطل. إن مصادر المجتمع البشري كلها مطلوبة: كلمة الله كما تتبين في الكنيسة المسيحية، والحكمة التي ورثناها عن الأسلاف، والمهارات والمعارف التي اكتسبها كل منا في حياته، والإدراك العام للمجتمع، مع زيادة الاعتماد على أولئك الذين تؤهلهم مراكزهم تأهيلا خاصا. إننا في حاجة إلى كل ذلك لكي نتمكن من إصدار قرارات إن لم تكن كاملة فهي عادلة عملية. والشيطان يفعل فعله دائما فوق هذه الأرض، ويمكن أن يلحق الإغراء أفضل الناس. والعادة أننا إذا أخطأنا كأفراد أو جماعات فإن الخطأ لا يكون في نقص المعرفة إنما يكون في نقص الإرادة. والفكر الوسيط يصر - على وجه العموم - أن المرء لا يتصرف بالضرورة تصرفا صحيحا، حتى إن جاز أن يعطيك اختبارك بالإدراك العام، أو تعطيك أداتك، الجواب الصحيح. وليست هناك أداة (أي ليست هناك معرفة علمية) تستطيع أن تحمي المرء مما يسميه الناس في العصور الوسطى - في التقليد المسيحي - ذنبا. ولا يحمينا من الذنب إلا قبولنا شفاعة المسيح المعجزة، وانتماء المرء بالمعنى الاجتماعي الكامل إلى الكنيسة المسيحية. إن العضو في هذه الكنيسة يعرف عن طريق عضويته الفارق بين الحق والباطل، وبين الطبيعي وغير الطبيعي.

ووراء هذه الأمثلة المحسوسة الثلاثة من موقف العصور الوسطى إزاء الإنسان في المجتمع - وأعني بها فكرة الطبقية في المجتمع الذي يؤدي فيه كل فرد الدور الذي أرسله الله لأدائه، وفكرة الثمن العادل والنظام الاقتصادي الذي لا يتوقف على تلاعب العرض والطلب، وفكرة القانون الطبيعي الذي يدرك بالعقل الطبيعي، والذي ينظم ويفسر العلاقات الإنسانية فوق الأرض - وراء هذه الأفكار كلها فكرة العصور الوسطى عن هذا العالم، هذا العالم «الواقعي»، الذي ترى أنه عالم لا يتغير ، أو إذا عبرنا عن ذلك تعبيرا سلبيا، قلنا إن هذه الآراء تتفق وفكرة العصور الوسطى التي ترى التغير عرضا، عشوائيا، وليس ما نسميه تقدما مطردا.

ومن الحق الظاهر أن نقول إن أكثر الأمريكان يعتقدون في صورة من صور التقدم، وإنه ليس في العصور الوسطى من كان يعتقد، أو يمكن أن يعتقد في التقدم بمثل هذا المعنى. وليس معنى هذا - بطبيعة الحال - أننا نختلف وإياهم كل الاختلاف في النظر إلى أي لون من ألوان التغير فيما يمس الحياة اليومية؛ فلقد كان العاشق في العصور الوسطى الذي تتخلى عنه معشوقته يحس إحساس العاشق في العصر الحديث الذي تهجره معشوقته. وكان العمال في العصور الوسطى - كما سوف نرى - يحسنون آلاتهم فعلا، وينغمسون في تلك الصورة الحديثة من صور التغير التي نسميها الاختراع. وكان بعض التجار في العصور الوسطى يجمعون المال بوسائل لا تختلف كثيرا عن الوسائل التي نجمعه بها اليوم. وفي الواقع الملطخ في القرون القلائل الأخيرة من العصور الوسطى، ظهر الفساد، والمنافسة، والتغير الاجتماعي السريع، بصورة واضحة جدا، رآها كل فرد حتى أصحاب النظريات. وقد أدرك وايكليف وكثير غيره من العصاة تمام الإدراك أن مجتمعهم مجتمع متغير. ولكنهم كانوا يرون أن مجتمعهم قد تدهور عما أراد له الله وأراد له القانون الطبيعي، ولم ينظروا إليه كأنه مجتمع في الطريق إلى مثل جديدة تصدر عن ظروف واقعية جديدة وتؤثر فيها.

وإذن فإن النظرة العالمية (وهي بالألمانية لفظة ثقيلة ولكنها معبرة

Weltanschauung ) حتى عند المثقف في أواخر العصور الوسطى تختلف جد الاختلاف عن نظرة الرجل المثقف في العصر الحاضر، لمجرد أن الأول يفترض أن الكون في أساسه ثابت، والثاني يفترض أن الكون في أساسه متغير. الأول يفترض أن القوانين التي تحكم العمل الإنساني الصحيح قد وضعها الله في سمائه لكل العصور - إن جاز لنا أن نقول ذلك - وأن هذه القوانين واضحة للرجل المسيحي الطيب. والثاني يفترض أن القوانين التي تحكم العمل الإنساني الصحيح يتم وضعها في الواقع في نفس عملية الحياة، والقتال، والحب، والتخطيط، وكسب المال، ولا يمكن لأحد أن يعرفها تمام المعرفة مقدما، وأن هناك قوانين جديدة يتم وضعها باستمرار خلال الحياة البشرية. ولما كان الإنسان لا يعيش في جو فكري خالص لأحد الطرفين المتناقضين، فقد كان الرجل في العصور الوسطى يخلط مع فكرته عن الاستقرار قدرا كبيرا من إمكان التغير عمليا. كما أن الإنسان في العصر الحديث يعتقد إلى حد كبير في بعض الأمور المطلقة التي تعلو عملية التغير الثوري، مهما يكن الإنسان الحديث في ذلك على شيء من التناقض. أو قل إن الإنسان في العصر الحديث يعتقد على أقل تقدير بأن التغير الثوري هادف بشكل ما. غير أن الاتجاه العقلي عند الرجل في العصر الوسيط وعنده في العصر الحديث يختلف اختلافا بينا في السلوك في كثير من ميادين النشاط البشري.

إن الإنسان الوسيط في حيرته يميل إلى أن يحل هذه المشكلة بالرجوع إلى سلطة الرأي، وهي السلطة الطبيعية، أو أفضل السلطات، التي نشأ على الإيمان بها - سلطة أرسطو إن كان من المدرسيين، والقانون الأرضي العرفي إن كان من رجال القانون، وعادات أبيه في الزراعة إن كان من المزارعين، وهو يميل إلى الاعتقاد - وهذا أمر هام جدا - بأن مشكلته ليس لها حل كامل مرض ميسور فعلا، أو يميل إلى الشعور أنه لا يصلح حالا حتى يرقى إلى السماء. أما الإنسان الحديث في حيرته فيميل على الأقل إلى أن يستشير سلطات مختلفة متعددة ويوازن بينها قبل أن يقر قراره. وقد يحاول أن يجرب، وأن يقوم بمحاولات مبدئية في اتجاهات جديدة يوحي إليه بها رجوعه إلى سلطات مختلفة وإلى خبراته الخاصة، إن كان قد نال تدريبا حسنا في بعض النظم ذات الصبغة العلمية أو العملية. وهو يميل إلى الشعور بأنه قد يحل في الواقع مشكلته إن هو سار سيرا صحيحا في هذا الاتجاه. والاتجاه الصحيح للرجل الوسيط قائم فعلا، وما عليك على الأكثر إلا أن «تجده»، أما الاتجاه الصحيح للرجل الحديث فقد «يشق» أو «يخلق».

وبالرغم مما بين النظرتين من تباين، فإن هناك الكثير في الفكر الاجتماعي والسياسي مما ثبت أنه أساسي لتفكيرنا. نعم إنك لن تجد فكرة التقدم أو التطور المطرد المادي في تفكير العصور الوسطى، ولن تجد تأكيدا قويا للمنافسة والفردية أو حتى التخطيط المنظم، ولن تجد الجو الذي يشير إلى «الأعظم والأفضل»، بل ولن تجد جدلا حول «طريقة الحياة الديمقراطية»؛ ذلك أن نظرية العصور الوسطى - كما رأينا - تؤكد الخضوع، والاستقرار، والعرف، والبناء الطبقي الثابت، والسلطة. ولكن العلاقات الاجتماعية في تلك العصور لم تكن في الواقع ثابتة مستقرة كما كانت كذلك من الوجهة النظرية؛ فقد ظهرت التغيرات المادية، والتقدم الذي ساعد على تحطيم النظريات الوسيطة، من بعض ضروب النزاع الفعلي في حياة العصور الوسطى. وكذلك ظهرت - حتى في أوج العصور الوسطى - أفكار أو «ميول» لا تتفق إلا بمشقة زائدة مع مبادئ السلطان، والخضوع، ونظام المراتب الاجتماعية الذي لا يتغير. وسوف نعود إلى النوع الأول من التغير في الفصل اللاحق. وليس النوع الثاني مستقلا بتاتا عن النوع الأول، ولكنه يتوقف أيضا على ضروب من الصراع سبقت في تاريخها كثيرا نوع الصراع الاقتصادي الذي ظهر في الأزمنة الحديثة.

ويمكن عرض الموضوع في إيجاز وبساطة شديدة كما يلي: إن المجتمع البشري الذي لا يتغير، الصارم نسبيا، الذي يعتمد على السلطة، يحتاج إلى سلطة عليا تكون لها السيادة، وتكون قراراتها في الواقع نهائية. وطالما كانت إسبرطة مجتمعا كهذا - على سبيل المثال - كانت قرارات الكبار إجماعية ومقبولة. وفي الجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية القديمة كان الإمبراطور وخليفته القيصر في روسيا، يمثل هذه السلطة العليا، ويملك أن يملي إرادته حتى على الكنيسة. ومن ثم ظهر هذا الاصطلاح الثقيل «البابوية القيصرية» الذي يعني النفوذ المطلق لخلفاء قيصر في الشرق. في حين أن أقل دراية بالتاريخ السياسي في الغرب خلال العصور الوسطى تبين في جلاء أنه لم يقم في الغرب قط ذلك القبول للسلطة الفردية النهائية التي لا مناص منها لقيام ذلك النوع من المجتمع الذي يظن كثير من مفكري الغرب أنه كان يسود - أو على الأصح يوشك أن يسود. كان البابوات والأباطرة - في أعلى المستويات - يزعمون أن لكل منهم في الغرب سلطة عليا. وكان الأباطرة القادرون المحظوظون يمارسون شيئا من هذه السلطة التي ربما كاد يبلغها في الواقع البابا أنوسنت الثالث في أوائل القرن الثالث عشر. وكان لكل من الجانبين انتصاراته في النضال الطويل. وكان لكل جانب من يؤيده من أصحاب النظريات البالغين في قدرتهم، والواقع أن كل مفكري العصور الوسطى تقريبا انحازوا في هذا النضال - إن عاجلا أو آجلا - إلى هذا الجانب أو ذاك. وقد أنفق دانتي - على سبيل المثال - جهدا كبيرا في رسالة سياسية طويلة «عن الملكية» يحث فيها على حكم الإمبراطور للدنيا كحل للشرور التي جلبتها الحروب في عهده. وكذلك كان لسلطان البابوية الأعلى من يدفع عنه، ومن بينهم أجديوس رومانوس. وقد انتهى توماس أكويناس إلى أن للبابا «سلطانا غير مباشر في شئون الدنيا»، وفي هذا مثال آخر لميله نحو الاعتدال.

وقد استنفد هذا الصراع بين سلطة البابا وسلطة الإمبراطور جانبا كبيرا مما يعده المختص موضوعا جذابا للتأمل. ومن النتائج الواضحة التي ترتبت على ذلك أن المطالبة المتطرفة بالسلطة من كلا الجانبين لم تعد تلقى قبولا في أواخر القرون الوسطى. ولم يقف الأمر في هذا النضال في سبيل الدعاية - وقد كانت في الواقع كذلك - عند حد إساءة الإمبراطوريين للبابويين، والبابويين للإمبراطوريين. ولم يقف الأمر عند حد ثبوت الإساءة بدرجة أشد من ثبوت الثناء الذي كان يضفيه كل جانب على نفسه، كما يحدث عادة في الدعايات. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن كل جانب كان عليه فوق ذلك أن يلتمس ما يؤيده مطالبته بالسلطة، وقد كان بعض هذا التأييد حديثا جدا؛ فقد وجد مارسيجليو البادوي، مؤلف «دفاع عن السلام» في القرن الرابع عشر، وهي رسالة إمبريالية، أن المصدر الوحيد للسلطة في أية مجموعة من الأمم (كومنولث) هو مجموع المواطنين. وليس من شك في أن مارسيجليو قد أخذته الحماسة، وربما لم يقصد أن يكون حديثا كما صوره شارحوه. فما عتم يستخدم المصطلحات الوسيطة، والنظم الدستورية والأفكار التي تتصل بالسيادة الشعبية التي تعزى إليه تبعد كثيرا عن فكرتنا عن الاعتماد على تعداد السكان عندما نريد البت في قرار سياسي. ولكن مارسيجليو كان يقصد جادا كل الجد ما قصده كثيرون غيره من مفكري العصور الوسطى، حتى أولئك المنحازين إلى الجانب البابوي: وذلك هو أنه ليس من حق إنسان مهما بلغت مكانته في سلم المراتب - حتى إن كان في أعلى درجات هذا السلم - أن تكون أوامره دائما وبغير جدل مطاعة منفذة ممن يدنونه في المرتبة.

Bilinmeyen sayfa