Fikirler ve İnsanlar: Batı Düşüncesinin Öyküsü
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Türler
وإن كان الباحثون لم يتفقوا على مصادر الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم على اختلافها، فهم أيضا ليسوا على اتفاق مطلق على مصادر أو دقة ما يرويه العهد الجديد عن حياة يسوع وتعاليمه، وعن رسالة القديس بولس وأصحابه في أول العهد بالمسيحية. غير أن هؤلاء الباحثين يتفقون اتفاقا تاما على أنه «ليست لدينا رواية معاصرة مباشرة عن أي شيء مما قال المسيح أو فعل» وقد تسيء المشابهة التالية إلى الباحثين المدققين، ولكنها واضحة واقعية للأمريكيين العاديين، وهي ليست مضللة في أساسياتها. هب أنه لا توجد لدينا نسخ من خطب ورسائل لنكولن، ولا توجد لنا عنها سجلات مكتوبة معاصرة. هب أنه لا توجد لدينا صحف، أو روايات تاريخية، أو شيء مطبوع أو مكتوب فيما بين مولده في عام 1809م ومماته في عام 1865م مما يشير إليه أية إشارة، سوى مرجع غامض أو مرجعين يمكن الرجوع إليهما في مذكرات خاصة لرجل من رجال السياسة البريطانيين. وهب - مع ذلك - أنه قد كانت هناك روايات موجزة عن حياته كتبها في شيخوختهم رجال عرفوه في واشنطن على الأغلب، وربما عرفوه معرفة جيدة حقا. ونفرض أنهم اطلعوا على مجموعات مخطوطة تقص حكايات نلسن، وعلى تقارير هواة كتبوها مباشرة عن بعض خطب لنكولن، ونسخة مخطوطة عن ملخص حياة لنكولن بقلم سكرتيره هاي، كتبها في السبعينيات من القرن الماضي - من أمثال هذه المصادر دبج في عصرنا هذا ثلاثة من خير كتاب الحزب الجمهوري روايات مختصرة شاعت قراءتها، وكذلك فعل مثل هذا أستاذ - جمهوري أيضا - في العلوم السياسية، متحمس. وفي كل هذا وصلت إلينا عبارات مثل «دون حقد لأحد» و«حكومة الشعب بالشعب للشعب»، ولكن ربما لم تصل إلينا خطبة كاملة، سوى خطبة جتزبرج. وصلت إلينا روايات عن عفوه عن الحارس النائم من فرمونت، وعن إصداره الإعلان التحرير، وعن تأييده لجرانت. ولكن لم تصل إلينا قصة حياته وزمنه كاملة متتابعة.
ومن الواضح أننا لا يمكن أن نعرف عن لنكولن في هذه الظروف شيئا يقرب مما نعرفه اليوم. ولكننا - من ناحية أخرى - لا بد أن نعرف أكثر الأمور الأساسية عنه. ولن يكون تصويرنا للنكولن كما كان في الحقيقة مضللا بأية حال. ومن ثم فإنه من المؤكد تقريبا أن تصويرنا ليسوع ليس مضللا في الحقيقة بأي معنى من المعاني، بالرغم من أننا نستمده في الأغلب من القصص الإضافية التي رواها متى، ومرقص، ولوقا. ومن الحكايات التي يروى أنه رواها، ومن موعظة الجبل (التي ربما كانت نسبتها من حيث اللفظ إلى يسوع في التاريخ كنسبة خطبة جتزبرج إلى لنكولن في واقع التاريخ من حيث نص العبارة).
غير أن هذه المقارنة بلنكولن ليست على أحسن الفروض إلا للاسترشاد. وبالرغم من أن لنكولن جزء من ثقافة أمريكية وطنية، وبالرغم من أن كثيرا من الأمريكان قد عبدوه بمعنى ما، إلا أنه لم ينشأ حوله نظام ديني أو فلسفي عظيم. أجل لقد فسر عبارته المفسرون بشتى الطرق، ولكن أقواله لم تبلغ في شمولها مدى ما تشمله الديانة، وهي واسعة جدا في حقيقة الأمر. وليس بوسعنا هنا إلا أن نذكر بعض المشكلات المعينة الكبرى التي تتصل بالمسيح ورسالته.
ونحن نتساءل أولا: هل زعم يسوع التاريخي أنه ابن الله، أو أنه الله ذاته؟ لقد لقي رجال الدين المسيحي - كما سوف نرى بعد قليل - مشكلات عسيرة في سنوات تكوين الكنيسة في إيجاد حل مرض لما عرف فيما بعد بمشكلات المسيحية، في الأناجيل الثلاثة المجملة - كما تسمى كذلك - وهي القصص التي رواها متى ومرقص ولوقا، وفي الإنجيل الرابع - بطبيعة الحال - وهو أمعن في الميتافيزيقية، إنجيل يوحنا. في هذه الأناجيل الأربعة يروى أن يسوع قد استخدم عبارات بحاجة شديدة إلى التفسير الديني - مثل قوله: «مملكة الرب» و«ابن الإنسان» و«أبي» و«ابن الله». إن إنجيل يوحنا غاية في الوضوح، وقد كتب كما يقول مؤلفه: «كي تؤمنوا بأن يسوع هو المسيح، ابن الله، وإنكم بإيمانكم سوف تكون لكم من اسمه حياة.» والواقع أن ثقل التفكير المسيحي كان يميل خلال القرون نحو تأليه المسيح. وكانت آراء الوحدانيين - تحت أي اسم من الأسماء - آراء زنادقة خارجين على الأرثوذكسية.
ويستطيع المرء - برغم هذا - إذا أخذ بالتفسير التاريخي الطبيعي لمصادر العهد الجديد، أن يزعم أن يسوع لم يدع لنفسه الألوهية قط، وأن مثل هذه العبارات التي ذكرناها آنفا إنما رويت محرفة أو استعملت مجازا، أو كانت هذا وذاك، وأن يسوع في الواقع لم يكن يهتم بعلم الدين أو بالديانة المنظمة حقا، وإنما كان شديد الاهتمام بحث إخوانه من البشر على أن يعيشوا ما نستطيع أن نسميه من غير تعقيد الحياة البسيطة فوق الأرض، بل لقد غالى بعضهم وزعموا أن يسوع التاريخي كان شاذا متحمسا للعودة إلى الطبيعة، بل يرى بعضهم - إن كانوا على ضحولة في المعرفة وتعصب في الفكر - أن يسوع كان مزورا عن عمد ، دجالا، يبرئ المرضى بالطبيعة. والمهم في هذا الصدد هو أنك إذا اعترفت بأن مصادرنا التاريخية ناقصة وغير دقيقة لا تستطيع أن تستبعد استبعادا كاملا أي تفسير لشخصية يسوع تبدو ممكنة ومعقولة من الناحية الإنسانية.
ومن ثم فإننا إذا اعتبرنا العهد الجديد مجرد مصدر تاريخي كغيره من المصادر، فإننا لا نستطيع أن نبت ب «صفة قاطعة» بالطرق التاريخية الطبيعية في مشكلات مثل هذه: هل زعم المسيح أنه إله؟ وهل زعم أنه مسيح اليهود؟ ولا نستطيع حتى أن نجيب عن مثل هذه الأسئلة الهامة، وإن تكن غير دينية: هل اعتقد المسيح وبشر بالمقاومة السلبية أو عدم المقاومة؟ إن النصوص الموجودة تتضارب تضاربا واضحا لأصحاب العقل.
ونذكر فيما يتعلق بمشكلة عدم المقاومة نصين معروفين متطرفين، أولهما: «سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا.» وما يناقض ذلك ظاهرا: «لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا.» وقد ورد هذان النصان عن يسوع في صفحة واحدة تقريبا من إنجيل متى. ويمكن التوفيق بينهما، بل لقد تم بالفعل التوفيق بينهما في ملايين الألفاظ التي طبعت، وبشر بها، تستطيع أن تقول إن يسوع في الصفحة الأولى حذر من العراك المبتذل، ومن التوحش، ومن القتال كما يبدو في فيلم رخيص من هوليوود، أو في صورة هزلية. وفي العبارة الثانية كان يحث تلاميذه وأتباعه على قتال روحي من نوع أنبل. والواقع أن هناك ما يستدعي التفسير، وقد كان الإنجيل - بعهديه القديم والجديد - من وجهة النظر الخارجية بالنسبة إلى الرجل الغربي حتى الأزمنة الحديثة جدا هو في الحقيقة المصدر الرئيسي لما أسميناه في مقدمة هذا الكتاب المعرفة اللاتراكمية. وليس معنى ذلك أن دراسة الإنجيل ليست لها أهميتها، بل إن دراسته - على نقيض ذلك - ذات أهمية قصوى.
ومن التهور في الرأي بعد هذه المقدمة أن نحاول سرد رواية إيجابية عن يسوع في التاريخ. ويجدر بالقارئ - وبخاصة إذا كان يشكو الجهل الحديث بالإنجيل - أن يقرأ ترجمة حديثة، إن شاء، لإنجيلي لوقا ويوحنا على الأقل، ويكون لنفسه رأيه الخاص. أما كاتب هذا الكتاب فإنه يميل - بتأثير أسباب كثيرة شعورية ولاشعورية وشبه شعورية - إلى الإيمان بأن يسوع في التاريخ كان ما يسميه الألمان «شوورمر» أي متحمس للدين، كان ذا نفس رقيقة وإن تكن قوية العزيمة، متصوفا في هذه الدنيا على ما في ذلك من تناقض؛ فهو لم يحط البتة من شأن الملذات الحسية، ولكنه يتمنى أن تتحرر المتعة من الغيرة، بل ومن المنافسة. وكان رجلا له جاذبية عظمى للمضطربين والبائسين، ذا موهبة كبرى في تفهيم عامة الناس ما يعني (وهذا مما يجعل مثل لنكولن الذي ضربناه آنفا مثالا طبيعيا). وربما كان يسوع أكثر رجولة بدرجة عظيمة مما صوره الفن الديني أخيرا. ومن الواضح أنه استطاع أن يحقق مجد الأنبياء العسير في تحقيقه.
ثم إن الدراسة التقليدية الطبيعية التاريخية للمسيحية تصر على أن هناك قدرا كبيرا في المسيحية المتطورة مما لم يكن من عمل المسيح بأية حال من الأحوال. وهنا أيضا يغالي الخصوم من النقاد، فيزعم بعضهم أن المسيحية المنظمة في أكثر وجوهها الهامة هي «نقيض» ما دافع عنه يسوع - فهي زاهدة لا مرحة، تميل إلى الاضطهاد دون التسامح، حربية وليست مسالمة، وحتى إن فرضنا أن في ذلك شيئا من المبالغة، فمن الجلي أن المسيحية المنظمة بها الكثير مما لا يتضح في معرفتنا التاريخية المتقطعة عن يسوع؛ فعندما حل القرن الثاني على الأقل كانت لدينا أصول دينية كاملة دقيقة، وقانون للأخلاق، وجمهور منظم من المؤمنين، ومجموعة مقدسة من القادة - كانت لدينا في إيجاز ديانة عظمى. لقد تجاوزت المسيحية المسيح - أو تجاوزت على الأقل المسيح الذي جمع حوله صيادي الجليل: «ثم جاء تلاميذ يسوع قائلين له: من هو أعظم من في مملكة السماء؟ فنادى يسوع طفلا صغيرا وأجلسه في وسطهم، ثم قال: الحق أقول لكم، ما لم تتحولوا، وتصبحوا أطفالا صغارا، فلن تدخلوا مملكة السماء؛ فمن منكم يتواضع كهذا الطفل الصغير يكن أعظم من في مملكة السماء.»
والرجل الذي قام بأكبر جهد في تحويل المسيحية من مذهب يهودي غامض إلى ديانة عالمية هو شاول الطرسوسي، المعروف في المسيحية بالقديس بولس، وهو يهودي يتصف بصفات الهلينية، ومواطن روماني. ولدينا، بالمقاييس العادية لمادة المصادر التاريخية، معرفة مباشرة عن القديس بولس أكثر مما لدينا عن يسوع. ويتفق العلماء عامة على أن أشهر رسائل العهد الجديد التي تحمل اسمه هي في الواقع من عمله، وأن قصة الجهد الذي بذله بولس ومعاونوه في «أعمال الرسل» هي في مجملها قصة دقيقة. وليست لدينا عن بولس - بطبيعة الحال - تفصيلات كثيرة عن حياته الخاصة مثلما لدينا عن كثير من المحدثين ممن هم أقل أهمية منه، كنابليون على سبيل المثال. ولكن لدينا على الأقل ما يكفي لما ينفي الشك عند كل امرئ في وجوده التاريخي.
Bilinmeyen sayfa