Fikirler ve İnsanlar: Batı Düşüncesinin Öyküsü
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Türler
ماذا تعني أمثال هذه الأقوال؟ إذا زعمت أن جسما ثقيلا وجسما أخف منه وزنا يسقطان خلال الهواء بسرعتين مختلفتين، أمكنك أن تسقطهما من فوق ارتفاع معين ثم تشهد ما يحدث. وقد فعل ذلك جاليليو، وإن لم يكن - كما نعرف اليوم - من برج بيزا المائل. ويستطيع المشاهدون أيضا أن يرقبوا ثم يتفقوا بعد مراجعة ما شهدوا، ولكن ليس بوسعك أن تختبر القول بالمساواة بين الناس، أو تطابق الحق مع الجمال، بمثل هذه الطريقة. وأنت على يقين أن أية مجموعة اعتباطية من الناس لن تتفق في الواقع في هذين الموضوعين بعد الجدل فيهما.
إن نوع المعرفة الذي أسميناه تراكميا؛ أي المعرفة العلمية، يخضع بوجه عام لنوع من الاختبار يجعل بالإمكان أن يتفق على صدقها أو بطلانها كل ذي عقل سليم، مدرب تدريبا صحيحا. أما نوع المعرفة الذي أسميناه لا تراكميا فلا يخضع لمثل هذا الاختبار، ولا يمكن له أن ينتهي بمثل هذا الاتفاق، ومن ثم فقد استنبط بعضهم من هذا - كما ذكرت من قبل - أن المعرفة اللاتراكمية لا فائدة منها، وليست معرفة حقيقية وليس لها معنى وليس لها - فوق هذا كله - أثر فعلي في سلوك البشر. إن هؤلاء الناس كثيرا ما يتوهمون أنفسهم واقعيين في الصميم، عقلاء يعرفون ما هي الدنيا في واقعها. وهم في الحق مخطئون، عقولهم ضيقة كعقول أولئك الأبرياء من المثاليين الذين يلومونهم.
إذ إن قولا كهذا: «خلق الناس جميعا متساوين» يعني على أقل تقدير أن فردا ما «يريد» أن يكون الناس جميعا متساوين من بعض الوجوه. ولو قلنا: «ينبغي أن يكون الناس جميعا متساوين» كان هذا القول صراحة هو ما نسميه بالفكرة المثالية . وهذا الخلط بين «ما ينبغي» وما هو «كائن» هو عند مؤرخ الفكر عادة من العادات المتأصلة في رجال الفكر. ويدرك مؤرخ الفكر فوق هذا أن «ما ينبغي» و«ما هو كائن» يؤثر أحدهما في الآخر، وهما جانبان من عملية متكاملة، لا يستقل أحدهما عن الآخر ولا يتعارضان، أو هما على الأقل لا يتعارضان في أكثر الأحيان. ويعرف حقا مؤرخ الفكر أن الجهد الذي يبذل في سبيل سد الثغرة بين المثالي والواقعي، بين «ما ينبغي» و«ما هو كائن»، هو من الموضوعات الرئيسية الهامة في تاريخ الفكر. هذه الثغرة لم تنسد قط، أو على الأقل لم يسدها المثاليون الذين ينكرون «ما هو كائن» ولم يسدها الواقعيون الذين ينكرون «ما ينبغي». إن الناس لا يتصرفون باطراد تصرفا منطقيا (معقولا) طبقا لما ينادون به من مثل. وفي هذا يكون النصر للواقعيين. غير أن مثلهم التي ينادون بها ليست خلوا من المعنى. وليس التفكير في المثل نشاطا سخيفا لا أثر له في حياتهم. إن المثل - كالشهوات - تدفع الناس إلى العمل، وفي هذا يكون النصر للمثاليين.
وربما كنا اليوم في الولايات المتحدة أقرب إلى الانسياق وراء خطأ الواقعيين منا وراء خطأ المثاليين. وإن كان كثير من المثل قد أضاء حياتنا خلال التاريخ، ثم إن دراسة تاريخ الفكر يجب أن تعيننا على أن نفهم الأسباب. ولكنا نستطيع الآن أن نكتفي بهذه الملاحظة: ليس في تاريخ البشر وقائع هامة لا ترتبط بالأفكار، أو أفكار هامة لا ترتبط بالوقائع. والجدل القائم الذي يدور بين الماركسيين وخصومهم، وهو: هل التغيرات الاقتصادية أعمق جذورا من التغيرات الأخرى؟ هذا الجدل ليس له معنى من الناحية المنطقية، وليس هناك مهندس للسيارات يحلم بالجدل فيما إذا كان الغاز أو الشرارة هو الذي يدير آلة الاحتراق الداخلي. دع عنك أيهما سبق الآخر: الغاز أو الشرارة. وليس بمؤرخ الفكر حاجة إلى الجدل فيما إذا كانت الأفكار «أو» الاهتمامات هي التي تحرك الناس في علاقاتهم بالمجتمع، ولا حاجة إلى أيهما سبق. بغير الغاز والشرارة «معا» لا يدور المحرك، وبغير الأفكار والاهتمامات (أو الشهوات، أو الدوافع، أو العوامل المادية) معا لا يكون مجتمع بشري عامل حي، ولا يكون تاريخ للبشر.
أهمية تاريخ الفكر في عصرنا
إن دراسة تاريخ الفكر لها أهميتها بوجه خاص في زماننا؛ لأن مثل هذه الدراسة لا بد أن تعيننا على مزيد من وضوح الفكر في إحدى القضايا الهامة في هذا العصر. وقد عرضت علينا جميعا هذه القضية في أشكال عديدة من التربية والدعاية، وقد تعرض علينا أحيانا في صورة معتدلة، وأحيانا أخرى في صورة هستيرية جدا. ويحب كتاب الصحف أن يضعوها في مثل هذه العبارة: العلوم والتكنولوجيا مكنت من ظهور الأسلحة التي تستطيع أن تقضي على الجنس البشري في الحرب القادمة. ويبدو أن الحكمة السياسية والخلقية لم تخترع وسيلة من الوسائل لمنع الحرب القادمة. ويقول كتاب الصحف ينبغي لنا أن نلتمس السبيل إلى أن نسمو بحكمتنا السياسية والخلقية (وهي حتى الآن لا تراكمية، أو تتراكم ببطء على أحسن الفروض) وبتطبيق هذه الحكمة إلى مستوى معرفتنا العلمية (وهي سريعة التراكم) ومستوى تطبيقها في التكنولوجيا ولا بد أن نهتدي إلى هذا السبيل على عجل حتى لا تقع حرب أخرى.
ويمكن أن يصاغ الموضوع في عبارة أخرى استخدمناها من قبل، وهي أقل من هذه إثارة. إن ما أسميناه المعرفة المتراكمة مكن البشر - وبخاصة خلال القرون الثلاثة الماضية - من تحقيق السيطرة الخارقة على ما يحيط بهم من بيئة غير إنسانية؛ فإن الناس لا يتناولون المادة غير العضوية فحسب، ولكنهم يستطيعون أيضا أن يقوموا بالشيء الكثير في تشكيل الكائنات العضوية الحية؛ فهم يستطيعون تربية الحيوان إلى الحد الأقصى من المنفعة للناس. وهم يستطيعون التحكم في كثير من الكائنات العضوية الصغيرة كما أنهم أطالوا من عمر الإنسان في البلدان المتقدمة إلى أبعد مما كان يبدو ممكنا منذ أجيال قليلة مضت.
ولكن الناس لم يحققوا بعد نصرا مماثلا في السيطرة على البيئة الإنسانية في أعلى مستويات السلوك البشري الواعي. والظاهر أن معرفة السبب الذي يدفع الناس إلى إرادة أشياء معينة ، ولماذا يقتلون غيرهم للحصول على هذه الأشياء، وكيف تتغير رغباتهم أو تشبع، ومعرفة كثير من المدى الفسيح للسلوك البشري - الظاهر أن كل هذا ينتمي إلى المعرفة اللاتراكمية أكثر من انتمائه إلى المعرفة التراكمية. وهذه المعرفة اللاتراكمية، سواء أكانت فلسفة، أم علوم الدين، أم حكمة عملية، أم مجرد الإدراك العام الساذج، لم تبلغ حتى اليوم حدا يكفي لحفظ السلام على الأرض - دع عنك أن تنفي كل ضروب الشر في العلاقات الإنسانية. وما لم يتوافر لنا نوع آخر من المعرفة والسلوك البشري - كما يقول بعض الكتاب المنذرين - معرفة من نوع ما يعلمه عالم الطبيعة أو البيولوجيا، فسوف تضطرب أمورنا إلى حد تتحطم معه حضارتنا، وربما يتحطم معه أيضا الجنس البشري.
إن إحدى المشكلات الكبرى في زماننا هي هذه في عبارة موجزة: هل يمكن أن يمكن ما نسميه ب «العلوم الاجتماعية» الإنسان من التحكم في بيئته البشرية إلى ما يشبه مدى ما مكنته العلوم الطبيعية من السيطرة على بيئته غير البشرية؟ إن مؤرخ الفكر في العصر الحاضر مرغم على أن يركز عمله في هذه المشكلة، وأن يركز فكره أولا في الطريقة التي عالج بها الناس في الماضي المشكلات الأساسية في العلاقات الإنسانية. إنه يكتب - بمعنى من المعاني - تاريخ العلوم الاجتماعية.
ويجب أن نوجه الأنظار بصفة خاصة إلى أن تاريخ الفكر في حد ذاته لا يحل المشكلات التي تزعجنا اليوم جميعا؛ إذ لا يمكن أن تحل هذه المشكلات إلا بالجهد الجماعي الذي نبذله جميعا، وبوسائل لا يمكن أن يتنبأ بها أحكم الفلاسفة أو العلماء - بل أحكم كتاب افتتاحيات الصحف. إن العلوم الاجتماعية إذا سارت في الطريق التي سلكتها العلوم، الطبيعية، فإن الذي يحل المشكلات الكبرى هو ذلك النوع من الناس الذين نسميهم العباقرة. غير أن العباقرة لا يستطيعون إيجاد الحلول إلا بسبب العمل الكامل الدءوب الذي يقوم به آلاف العاملين في البحث وفي الحياة العملية. وأهم من ذلك أن هذه الحلول لا يمكن أن تترجم إلى عمل اجتماعي فعال في مجتمع ديمقراطي إلا إذا كانت لدى المواطنين في هذا المجتمع درجة من الإدراك الأساسي لما هو حادث، ويمكن أن تصبح دراسة تاريخ الفكر نافعة لأولئك المشتغلين بالعمل الإيجابي في مشكلات العلاقات الإنسانية، ولأولئك الذين ينحصر عملهم الرئيسي في ميادين أخرى.
Bilinmeyen sayfa