Fikirler ve İnsanlar: Batı Düşüncesinin Öyküsü
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Türler
وفي عبارة أخرى نستطيع أن نقول إن طالب الجامعة الحديث ليس أحكم من الحكماء القدامى، وليس له ذوق أفضل من ذوق السابقين، ولكنه يعرف من علم الطبيعة قدرا أكبر مما عرف أعظم العلماء اليونان؛ إنه يعرف «وقائع» أكثر في الأدب والفلسفة مما كان يعرف أحكم الإغريق في عام 400ق.م، ولكنه في علم الطبيعة لا يعرف «وقائع» أكثر فحسب، وإنما هو يدرك العلاقات بين الوقائع؛ أي النظريات والقوانين.
وهذه التفرقة بين المعرفة التراكمية والمعرفة اللاتراكمية واضحة ونافعة، وهو كل ما يريده المرء من التفرقة. «إن هذه التفرقة لا تعني أن العلم جيد ونافع، وأن الفن والأدب والفلسفة رديئة وغير نافعة، وإنما تعني أنها مختلفة فيما يتعلق بالتراكم فحسب.» وكثير من الناس يتخذون هذه التفرقة دليلا على أن الفن أحط شأنا من العلم، وتسوءهم هذه التفرقة إلى حد أن ينبذوا أي صدق أو منفعة تتضمنها التفرقة. وتلك من عادات الناس المألوفة التي ينبغي لمؤرخ الفكر أن يحسب لها حسابها.
وربما كانت الحقيقة هي أن العلم قد تراكم «بسرعة» في الثلاثمائة السنة الأخيرة، في حين أن الفن والأدب والفلسفة قد تراكمت «ببطء» في ألوف عديدة من السنين. وقد يكون عظماؤنا من بعض النواحي أحكم من العظماء في الماضي، وقد يكون ما لدى المواطن الأمريكي المتوسط من الحكمة والإدراك السليم أكثر مما كان لدى المواطن الأثيني. بيد أن هذه الأمور مما يشق قياسها، ومما يشق الاتفاق فيها، في حين أن صفة التراكم في المعرفة العلمية لا جدال فيها تقريبا. إن أكثر المدافعين عن تقدم الفنون والفلسفة تفاؤلا لا يمكن أن يؤمن بأن شيكسبير بالنسبة إلى سوفوكليز هو كنيوتن بالنسبة إلى أرشميدس.
وقد حاولنا فيما سبق أن نبالغ بالضرورة في تبسيط الفارق بين المعرفة التراكمية والمعرفة اللاتراكمية. ويلاحظ أن ذلك الجانب من المعرفة الذي لا يقع تحت عنوان «العلوم» لم يلق - لعدة أجيال من مفكري الغرب، وعند كثير من مفكري اليوم - حقه من الإنصاف بنعته ب «اللاتراكمي». ويمكن القول بأن ما نسميه عادة ب «العلوم الاجتماعية» به في حد ذاته - وليس باعتباره تقليدا ضعيفا للعلوم الطبيعية - قدر من المعرفة المتراكمة التي تتعلق بتبادل العلاقات بين الكائنات البشرية. وهذه المعرفة ليست مجرد تراكم للوقائع، وإنما هي أيضا تراكم لتفسيرات صادقة لهذه الوقائع. وهكذا استطاع رجال الاقتصاد في مدى قرن ونصف قرن من آدم سميث إلى لورد كينز - أن يزدادوا «إدراكا» للنشاط الاقتصادي، ويمكن القول كذلك أن الفلاسفة استطاعوا على كر القرون أن يحسنوا من طرائقهم في التحليل، كما أنهم ازدادوا تحديدا للأسئلة التي يوجهونها لأنفسهم - وذلك بالرغم من أنهم لا يزالون يواجهون بعض المشكلات التي واجهها أفلاطون وأرسطو. وأخيرا قد يستطيع المتشائم أن يقول إن كل ما نتعلمه من التاريخ هو أننا لا نتعلم منه شيئا قط، غير أن أكثرنا يؤمن بأن رجال الغرب قد بنوا على مر القرون هيكلا من الحكمة والذوق السليم الذي لم يتوافر للإغريق. أما مدى انتشار هذه الحكمة وذلك الذوق في مجتمعنا فذلك أمر آخر.
والحق أن مسألة «النشر» في المعرفة التراكمية واللاتراكمية على السواء، مسألة تصحيح الأخطاء الشائعة في تفكير الجمهور، هي على الأقل في أهمية مسألة اتفاق الخبراء، بل هي في المجتمع الديمقراطي ربما كانت أكثر منها أهمية. ويتضح ذلك في ميدان كميدان الاقتصاد، إلا لأولئك المصرين على ازدراء التفكير الاقتصادي. إن رجال الاقتصاد يختلفون وكذلك يختلف الأطباء. وحتى في أمريكا الحديثة، حيث يكون للطب تقدير بالغ بين جميع الطبقات، ليس من اليسير أن نعلم الجمهور حتى يتصرف عن علم في الشئون الطبية. وفي الشئون الاقتصادية لا يزال الجمهور حتى في منتصف القرن العشرين عاجزا إلى حد كبير عن الإفادة من مقدار المعرفة المتراكمة التي يملكها الخبراء، وإلا ما حاولنا أن ننشئ درجة من التجارة الدولية المتوازنة مع احتفاظنا بمستوى عام مرتفع - وكثيرا ما تكون مرتفعة جدا في نواح معينة - من ضريبة الحماية الجمركية.
ومن الواضح أن مؤرخ الفكر لا بد أن يهتم بالمعرفة التراكمية والمعرفة اللاتراكمية على حد سواء، ولا بد أن يبذل قصارى جهده لكي يميز هذا النوع من المعرفة من ذلك، وأن يتقصى العلاقة المتبادلة بينهما، وأن يدرس آثارهما على السلوك البشري. إن كلا اللونين من المعرفة له أهميته، وكل لون منهما يفعل فعله في هذه الدنيا.
وهنا يأتي سؤالنا الثاني: كيف تؤثر الأفكار في هذه الدنيا ؟ إن أية إجابة عن هذا السؤال لا بد أن تأخذ في الاعتبار أن «الأفكار» هي في الواقع «أفكار مثالية»، هي تعبيرات عن الآمال والتطلعات عن رغبات الناس وجهودهم؛ فنحن نقول مثلا إن «الناس جميعا قد خلقوا متساوين» أو نقول مع الشاعر كيتس:
الجمال الحق، والحق الجمال،
هذا كل ما نعرفه على الأرض،
وكل ما نحتاج إلى معرفته.
Bilinmeyen sayfa