كان الباب المؤدي إلى الكنيسة مفتوحا فدلف إلى ذلك المبنى الخاوي المعتم الذي فقد رمزيته الدينية. كانت آثار الخراب الداهم بادية عليه بالفعل؛ فقد حمل الهواء أوراق الشجر عبر الباب المفتوح وكانت أرضية المذبح مغطاة بالطمي وملطخة بسائل يشبه الدم. كان الغبار الكثيف يغطي المقاعد، وكان واضحا من الرائحة أن حيوانات، على الأرجح كلاب، كانت تتجول هناك بحرية. أمام المذبح رسمت رموز غريبة على الأرض، وكان بعضها مألوفا نوعا ما. ندم على قدومه لذلك المكان الخرب المدنس. خرج من الكنيسة وأغلق خلفه الباب الثقيل وهو يشعر بالراحة. لكنه لم يكتشف أي شيء، وكانت زيارته بلا طائل. لم تثمر رحلته القصيرة العديمة الجدوى تلك عن شيء إلا تعميق شعوره بالعجز، وبكارثة وشيكة.
الفصل الحادي والعشرون
كانت الساعة الثامنة والنصف تلك الليلة عندما سمع الطرق على الباب. كان في المطبخ يتبل السلطة تحضيرا لوجبة العشاء، فكان يمزج بعناية زيت الزيتون مع خل النبيذ بالنسب المضبوطة. كان سيتناول العشاء، كما كان يفعل عادة في المساء، من صينية يضعها في مكتبه، وكان قد أعد بالفعل الصينية ومفرشها النظيف وفوطة المائدة على طاولة المطبخ. وكانت شريحة لحم الحمل موضوعة على الشواية. كان قد فتح زجاجة النبيذ الفرنسي الفاخر منذ ساعة وصب منها أول كأس ليشربها بينما كان يطهو. كان يقوم بالحركات المألوفة دون حماس، ودون اهتمام تقريبا، ويفترض أنه يحتاج لأن يأكل. اعتاد أن يكلف نفسه عناء تتبيل السلطة. وحتى بينما كانت يداه مشغولتين بتلك التحضيرات المعتادة، كان عقله يخبره بأن كل ذلك بلا أهمية على الإطلاق.
أغلق ستائر الأبواب الفرنسية المؤدية إلى الباحة الأمامية ودرجات السلم المؤدية إلى الحديقة، ليس للحفاظ على خصوصيته - فذلك لم يكن ضروريا - بل لأن من عادته إغلاقها ليحجب ظلمة الليل. فيما عدا الأصوات الخافتة التي يصدرها هو، كان محاطا بسكون تام، وشعر كأن طوابق المنزل الخاوية من فوقه وزن فعلي يجثم على صدره. وفي اللحظة التي رفع فيها الكأس لشفتيه، سمع طرقة. كانت خافتة لكنها ملحة، طرقة واحدة على الزجاج تبعها على التو ثلاث طرقات أخرى واضحة كأنها إشارة. أزاح الستائر فلم ير إلا معالم وجه يكاد يلتصق بالزجاج. وجه داكن. فأدرك بحدسه لا ببصره أنها ميريام. سحب المزلاجين وفتح الباب فدلفت إلى الداخل على الفور.
لم تهدر أي وقت على عبارات التحية، بل قالت: «هل أنت بمفردك؟» «أجل. ما الأمر؟ ماذا حدث؟» «لقد قبضوا على جاسكوين. نحن مطاردون. جوليان تحتاجك. لم يكن من السهل أن تأتي إليك بنفسها؛ لذا أرسلتني.»
اندهش من قدرته على مقابلة انفعالها وخوفها، الذي حاولت إخفاءه، بذلك القدر من الهدوء. لكن تلك الزيارة، مع أنها غير متوقعة، لم تبد إلا ذروة طبيعية للتوتر الذي ظل يتراكم طوال الأسبوع. كان يعرف أن شيئا صادما سيحدث، وأن طلبا غير عادي سيطلب منه. وها قد أتى الاستدعاء.
عندما لم تسمع منه ردا، قالت: «لقد قلت لجوليان إنك ستأتي إليها إن احتاجتك. وهي الآن بحاجة إليك.» «أين هم؟»
صمتت ثانية كأنما تتساءل إن كان من المأمون إخباره، ثم قالت: «في كنيسة صغيرة بقرية ويدفود خارج سواينبروك. معنا سيارة رولف لكن لا بد أن شرطة الأمن الوطني تعرف أرقام لوحتها. نحن نحتاج إليك وإلى سيارتك. يجب أن نهرب قبل أن ينهار جاسكوين ويخبرهم بأسمائنا.»
لم يشك أي منهم في أن جاسكوين سينهار. لن يكون استخدام أساليب قاسية كالتعذيب البدني ضروريا؛ فسيكون لدى شرطة الأمن الوطني ما يلزم من عقاقير وما يلزم لاستخدامه من خبرة وقسوة.
سألها: «كيف جئت إلى هنا؟»
Bilinmeyen sayfa