بعد برهة من الصمت لم يبد أنها أشعرته بالحرج هو أو كاثكارت، تابع قائلا: «أعتقد أني قد أحضر إحدى دورات البالغين تلك. لكن في التاريخ لا في الأدب. لكني لن أختار دورة حول العهد الفيكتوري في إنجلترا. بل أفضل أن أعود للوراء أكثر، لعهد أسرة تيودور. طالما كانت تلك الأسرة تبهرني، وبخاصة إليزابيث الأولى.»
قلت: «ما الذي يجذبك إلى تلك الحقبة؟ العنف والمجد، وعظمة إنجازاتهم، والشعر المشوب بالعنف، وتلك الوجوه الماكرة الحاذقة التي تعلو الياقات المنتفشة، والمحكمة المهيبة التي كانت تقوم على استخدام آلات التعذيب الوحشية؟»
بدا أنه يفكر في السؤال للحظة، ثم قال: «لا أظن أن عصر تيودور كانت تميزه وحشية تفوق المعتاد يا دكتور فارون. كان الناس يموتون في أعمار صغيرة في تلك الأيام، وأظن أن معظمهم كان يموت متألما. كل عصر وله جوانبه الوحشية. وإذا نظرنا إلى الألم، فالموت بسبب السرطان دون أي أدوية، الذي طالما اختبره البشر على مر العصور، كان أبشع من أي آلات تعذيب كان بإمكان أسرة تيودور ابتكارها. خصوصا في حالة الأطفال، ألا تعتقد ذلك؟ من الصعب أن ترى الغاية من ذلك، أليس كذلك؟ أعني من اختبار الأطفال للعذاب.»
قلت: «ربما لا ينبغي أن نفترض أن للطبيعة غاية من أفعالها.»
تابع حديثه وكأنما لم أتكلم: «جدي - الذي كان أحد أولئك الواعظين الذين ينذرون بعذاب الجحيم - كان يعتقد أن كل شيء له غاية، حتى الألم. ولد جدي في الزمان الخاطئ، كان سيغدو أسعد في القرن التاسع عشر. أذكر أني عندما كنت في التاسعة انتابني ألم أسنان شديد بسبب خراج. لم أخبر به أحدا خشية الذهاب إلى طبيب الأسنان، لكني استيقظت ذات ليلة وأنا أشعر بألم مبرح. قالت أمي إنها ستأخذني إلى العيادة فور أن تفتح، لكني ظللت مستلقيا حتى الصباح ينازعني الألم. أتى جدي ليطمئن علي. وقال لي: «بوسعنا أن نفعل شيئا لتخفيف آلام الدنيا البسيطة، لكن ليس بوسعنا تخفيف آلام الآخرة الأبدية. تذكر ذلك يا فتى.» كان حتما موفقا في اختيار الوقت المناسب لقول ذلك. ألم أسنان أبدي. كانت تلك فكرة مرعبة لطفل في التاسعة من عمره.»
قلت: «أو حتى لشخص بالغ.» «لقد تركنا وراءنا ذلك الاعتقاد، عدا روجر الراعد. فهو لا يزال له أتباع.» صمت لبرهة كأنما يمعن التفكير في عظات روجر الراعد المفعمة بالتقريع، ثم تابع قائلا دون أن تتغير نبرة صوته: «المجلس منزعج، أو ربما قلق هي الكلمة الأنسب، من نشاطات جماعة من الناس.»
ربما كان ينتظر مني أن أسأله: «أي نشاطات؟ أي ناس؟» لكني قلت: «يجب أن أغادر بعد أكثر من نصف ساعة بقليل. إن كان زميلك يريد تفتيش المنزل، فبإمكانه أن يبدأ بذلك الآن بينما نتحدث. يوجد بضعة أغراض ذات قيمة خاصة لدي، معالق غرف الشاي الموضوعة في خزانة العرض الجورجية، وقطع ستافورد شاير الفيكتورية التذكارية في غرفة الاستقبال، والإصدارات الأولى من بضعة كتب. عادة أتوقع أن أكون حاضرا أثناء عملية التفتيش لكني أثق تمام الثقة في نزاهة شرطة الأمن الوطني.»
قلت تلك الكلمات الأخيرة وأنا أنظر مباشرة إلى عيني كاثكارت. فلم تطرفا حتى.
قال رولينجز بصوت يحمل نبرة عتاب خفيفة: «لم نأت على ذكر التفتيش يا دكتور فارون. لماذا تفترض الآن أننا نريد تفتيش منزلك؟ وما الذي سنفتش عنه؟ أنت لست شخصا يسعى لنشر الفتنة يا سيدي. لا، هذا مجرد حديث، أو سمه استشارة إن شئت. كما ذكرت لك، تحدث أمور تثير قلق المجلس قليلا. ما أخبرك به بالطبع هو سر بيننا. هذه الأمور لم تذع علانية في الصحف أو عبر الراديو أو التلفاز.»
قلت: «هذا تصرف حكيم من قبل المجلس. فمثيرو القلاقل، على افتراض أنهم صاروا في قبضتكم، يعتمدون على الضجة الإعلامية. فلماذا إذن نمنحهم إياها؟» «بالضبط. لقد استغرقت الحكومات وقتا طويلا كي تدرك أنها ليست بحاجة للتلاعب بالأخبار غير السارة. كل ما عليها فعله هو ألا تذيعها.» «وما الذي لا تذيعونه؟» «حوادث صغيرة، غير مهمة في ذاتها، لكنها ربما تكون دليلا على مؤامرة تحاك. أعيقت فعاليتي راحة الموت الأخيرتين. فقد فجرت منصات الصعود صباح اليوم الذي كان من المفترض إقامة المراسم فيه، قبل نصف ساعة فقط من موعد وصول الضحايا الافتدائيين - أو ربما «ضحايا» ليست الكلمة المناسبة، لنسمهم الشهداء الافتدائيين.»
Bilinmeyen sayfa