قالت جوليان: «هذا عمر لوك، سيسهل ذلك تذكره. هل سنحتاج لرفع التمثال؟» «هو ليس تمثالا كاملا، بل مجرد رأس، ولن تحتاجوا إلى لمسه حتى. يوجد فجوة ضيقة للغاية بين قاعدته وحامله. هناك سأترك إجابتي على بطاقة. لن يكون بها ما يدين. مجرد «نعم» أو «لا». بإمكانكم الحصول على تلك الإجابة عبر الهاتف، لكنكم بلا شك تعتقدون أن ذلك لن يكون تصرفا حكيما.»
قال رولف: «نحن نحاول ألا نستعمل الهاتف قط. مع أننا لم نبدأ نشاطنا بعد، نتخذ الاحتياطات العادية؛ فالجميع يعرف أن خطوط الهاتف مراقبة.»
سألته جوليان: «وإن كانت إجابتك «نعم»، ووافق الحاكم على مقابلتك، متى ستبلغنا بما قاله، وبما وعد بالقيام به؟»
تدخل رولف قائلا: «من الأفضل تأجيل ذلك لأسبوعين على الأقل. أبلغني بها يوم الأربعاء، بعد فعالية الراحة الأبدية بأربعة عشرة يوما. سأقابلك سيرا على الأقدام في أي مكان في أكسفورد. من الأفضل أن يكون مكانا مفتوحا.»
قال ثيو: «الأماكن المفتوحة يسهل مراقبتها بواسطة منظار مقرب. سيلفت شخصان، يجتمعان علنا في وسط متنزه أو مرجة أو ساحة جامعية، الأنظار حتما. إن اللقاء في بناية عامة أكثر أمنا. سأقابل جوليان في متحف بيت ريفرز.»
قال رولف: «يبدو أنك مولع بالمتاحف.» «ميزتها أنها أماكن يحق للناس التسكع بها.»
قال رولف: «إذن سأقابلك الساعة الثانية عشرة في متحف بيت ريفرز.» «ليس أنت، بل جوليان. فقد استخدمت جوليان كي تتواصل معي في المرة الأولى. وجوليان هي السبب في مجيئي إلى هنا اليوم. سأكون في متحف بيت ريفرز ظهيرة يوم الأربعاء الذي يلي الراحة الأبدية بأسبوعين، وأتوقع أن تأتي جوليان وحدها.»
كانت الساعة قد قاربت الحادية عشرة عندما تركهم ثيو في الكنيسة. وقف لبرهة في الرواق، ونظر إلى ساعته ثم تطلع إلى المقبرة المهملة. تمنى لو أنه لم يأت، ولم يتورط بتلك المغامرة المحرجة التي لا طائل منها. تأثر بقصة ميريام أكثر مما أبدى. وتمنى لو أنه لم يسمعها. ما الذي يتوقع منه أن يفعله، هو أو غيره؟ لكن كان الأوان قد فات. لم يعتقد أن ثمة أي خطر يحيق بتلك الجماعة. كانت بعض مخاوفهم أقرب إلى الارتياب. وكان يأمل في أن يعفى مؤقتا من المسئولية، وألا تعقد أي من فعاليات راحة الموت لشهور. سيكون الأربعاء يوما سيئا بالنسبة له. وسيترتب عليه أن يعيد ترتيب جدول مواعيده في وقت قصير. لم يكن قد رأى زان منذ ثلاث سنوات. وإن التقيا مرة أخرى، فسيكون من المهين وغير المقبول له أن يجد نفسه في موضع السائل المتوسل. كان متضايقا من نفسه مثلما كان متضايقا من الجماعة. قد يمقتهم لكونهم جماعة من الهواة الناقمين على السلطة، لكنهم مع ذلك فاقوه دهاء، وأرسلوا العضوة الوحيدة من بينهم التي عرفوا أنه سيصعب عليه رفض طلبها. لماذا وجد صعوبة في ذلك؟ كان ذلك سؤالا لم يشأ أن يبحث له عن إجابة في الوقت الحالي. سوف يذهب إلى فعالية الراحة الأبدية كما وعدهم ثم يترك لهم رسالة في متحف تماثيل الجص. كان يأمل أن تحوي الرسالة كلمة واحدة مبررة هي «لا».
كانت جماعة المعمودية تتقدم في الممر، يقودها الرجل العجوز، الذي كان الآن يرتدى دثارا، مطلقا صيحات تشجيع قصيرة. كان هناك سيدتان في مرحلة الكهولة ورجلان يكبراهما سنا، وارتدى الرجلان حلتين أنيقتين زرقاوين، بينما ارتدت السيدتان قبعتين مزينتين بالورود لا تلائمان معطفيهما الشتوي. وحملت كل منهما باقة بيضاء ملفوفة في وشاح تدلت من تحته ثنيات رداء التعميد المزين بالدانتيل. حاول ثيو تجاوزهم، مشيحا بنظره عنهم بكياسة، لكن السيدتين وقفتا أمامه تسدان طريقه تقريبا، وعلى وجهيهما ابتسامة خرقاء لا معنى لها، ودفعتا بباقتيهما إليه، داعيتيه لإبداء إعجابه. كان مظهر القطيطتين، اللتين انفردت أذناهما تحت القلنسوتين المربوطتين بشرائط، سخيفا ومحببا في آن واحد. بدت عيناهما البلهاوان المتسعتان على آخرهما، كدائرتين بلون الأوبال، ولم يبد عليهما القلق من تقييد حركتهما. تساءل إذا ما كانتا قد خدرتا، ثم ما لبث أن استقر إلى أنهما على الأرجح يمسكان ويملسان ويحملان كالأطفال الرضع منذ ولادتهما وقد تعودتا على ذلك. تساءل أيضا إذا ما كان القس قد رسم بصفة شرعية أم كان منتحلا تلك الصفة؛ وقد كان يوجد الكثير من أولئك المنتحلين، فالطقس الذي يمارسه لا يعد طقسا أرثوذكسيا. كانت كنيسة إنجلترا، التي لم يعد لها مذهب موحد أو طقوس دينية موحدة، ممزقة لدرجة أنه لا يوجد سبيل لمعرفة الأمور التي لم تعد بعض الطوائف تؤمن بها، لكنه كان يشك في أن أيا منها كان يشجع تعميد الحيوانات. كان يظن أن رئيسة الأساقفة الجديدة، التي تصف نفسها بأنها مسيحية عقلانية، ربما كانت ستمنع تعميد الأطفال على أساس كونه خرافة، لو كان تعميد الأطفال لا يزال ممكنا. لكن كان يصعب عليها التحكم فيما يحدث داخل كل كنيسة زائدة عن الحاجة. على الأرجح لن ترحب القطيطتان بصب الماء البارد فوق رأسيهما، لكن من غير المتوقع أن يعترض أحد آخر. كانت تلك التمثيلية نهاية ملائمة لنهار مليء بالحماقات. انطلق يسير بسرعة تجاه ذلك المنزل الخاوي غير المنتهك الذي يدعوه بيته ناشدا سلامة العقل.
الفصل التاسع
Bilinmeyen sayfa