كان من عادته أن يجعل الأمر يبدو وكأن رفضي لم يكن نابعا من مزيج من الخجل والخوف من الفشل والخزي، كما كان يعلم على الأرجح. لا ألوم زان على أني فقدت عذريتي في ظروف غير مريحة في موقف سيارات ببول مع صهباء لم تخف علي، أثناء ملاطفاتي وبعدها، أنها قضت ليالي سبت أفضل من تلك بكثير. ولا أدعي أيضا أن تلك التجربة أثرت بالسلب على حياتي الجنسية؛ ففي النهاية، إن كانت تجاربنا الأولى أثناء الصبا هي التي تحدد مسار حياتنا الجنسية، لآل مصير معظم العالم إلى العزوبية. فذلك هو أكثر جانب من التجارب الإنسانية يؤمن البشر بأن المثابرة فيه ستقودهم لما هو أفضل.
بجانب الطاهية، بوسعي أن أتذكر بضعة خدم آخرين. كان يوجد بستاني يدعى هوبهاوس، وكان لديه كره بالغ للورود، خاصة عندما تزرع مع أنواع أخرى من الأزهار. كان يتذمر من أنها تنمو في كل مكان، كما لو كانت النباتات المتسلقة والشجيرات العادية، التي كان يقلمها بمهارة ممتعضا، قد نبتت من تلقاء نفسها بطريقة غامضة. وكان يوجد أيضا سكوفل الوسيم ذو الملامح المنمقة الذي لم أعلم له وظيفة محددة؛ فقد كان يؤدي دور السائق ومساعد البستاني وعامل الإصلاحات. كان زان إما يتجاهله أو يعامله بغلظة شديدة. لم أعهده يعامل أي خادم آخر بفظاظة، وكنت سأسأله عن السبب لولا شعوري، نتيجة لانتباهي كالعادة لأدق التغيرات في انفعالات ابن خالتي، أنه لم يكن من الحكمة أن أطرح ذلك السؤال.
لم أكره حقيقة أن زان كان هو الحفيد المفضل لدى جدينا؛ فقد بدا لي تفضيله علي أمرا طبيعيا للغاية. بوسعي أن أتذكر مقتطفات من حديث آل إلى مسامعي عرضا في أحد أعياد الميلاد المجيدة أثناء اجتماع كارثي للعائلة كلها في وولكوم. «أتساءل أحيانا إن كان ثيو سينجح في حياته أكثر من زان في نهاية المطاف.» «لا، فثيو ولد وسيم وذكي، أما زان فعبقري.»
تبارينا أنا وزان في ذلك الحكم. عندما ضمنت دخولي إلى جامعة أكسفورد، أسعدهم ذلك، ولكنه فاجأهم أيضا. وعندما قبل زان في كلية باليول، اعتبروا أن ذلك هو ما يستحقه. عندما حصلت على درجتي العلمية بمرتبة الشرف الأولى قالوا إن الحظ قد حالفني. وعندما لم يحقق زان إلا مرتبة الشرف الثانية العليا تذمروا، لكن برفق، من أنه لم يكلف نفسه عناء الاجتهاد.
لم يطلب مني زان أي طلبات، ولم يعاملني كابن خالته الفقير الذي يأتي كل عام ليحظى بطعام وشراب وعطلة بالمجان مقابل رفقته أو تبعيته. وإن أردت الاختلاء بنفسي، كان يسمح لي بذلك دون تذمر أو تعليق. كنت أنفرد بنفسي عادة في المكتبة، تلك الغرفة التي كانت تبعث في نفسي البهجة بأرففها المملوءة بالكتب ذات الأغلفة الجلدية، وأعمدتها الجدارية البارزة والأحرف الكبيرة المحفورة عليها، والمدفأة الحجرية الضخمة وشعار النبالة المحفور عليها، والتماثيل النصفية الرخامية في كواتها الجدارية، وطاولة الخرائط الضخمة التي كان بوسعي أن أفرش عليها كتبي وأوراق مهامي الصيفية، والمقاعد الجلدية الوثيرة ذات المسندين، والمشهد من نوافذها الطويلة الذي يمتد من المرج وحتى النهر والجسر. هنا اكتشفت، بينما كنت أتصفح كتب تاريخ المقاطعات، أن مناوشة وقعت على ذلك الجسر أثناء الحرب الأهلية، وأن خمسة من الخيالة الملكيين الشباب حموا الجسر ضد البرلمانيين حتى سقطوا جميعا. حتى إن أسماءهم كانت مذكورة، وكان لقائمة أسمائهم وقع شجاعة رومانسي: أورميرود، فريمانتل، كول، بايدر، فيرفاكس. ذهبت إلى زان بحماس شديد وجررته إلى المكتبة. «انظر، تاريخ المعركة الفعلي يوافق يوم الأربعاء القادم، 16 أغسطس. لا بد أن نحتفل.» «كيف؟ هل نلقي أزهارا في النهر؟»
لكنه قالها بنبرة لم تكن تحمل استنكافا ولا استخفافا، بل كان مستمتعا نوعا ما بحماسي. «لماذا لا نشرب نخبهم على أي حال؟ لنحتفل بالأمر.»
فعلنا الأمرين. ذهبنا إلى الجسر وقت الغروب ومعنا زجاجة من نبيذ أبيه الفرنسي الأحمر، والمسدسين، وأزهارا ملء ذراعي جمعتها من الحديقة المسورة. تقاسمنا شرب زجاجة النبيذ بيننا، ثم وقف زان موازنا نفسه فوق سور الجسر، مطلقا النار من كلا المسدسين في الهواء، بينما تلوت أنا أسماءهم بصوت عال. كانت تلك إحدى لحظات صباي التي ظلت محفورة في ذاكرتي، كانت أمسية من السعادة الخالصة، لا يعكر صفوها أو يشوبها أي إحساس بالذنب أو التخمة أو الندم، خلدتها في ذهني صورة زان معتليا السور وخلفه الغروب، وشعره الأحمر الناري، وبتلات الورود الفاتحة الطافية مع التيار تحت الجسر حتى غابت عن الأنظار.
الفصل الثالث
الاثنين 18 يناير 2021
بوسعي أن أتذكر أول عطلة قضيتها في وولكوم. تبعت زان صاعدين سلالم درج ثان في نهاية الممر حتى وصلنا إلى غرفة في أعلى طابق بالمنزل تطل على الشرفة والمرجة الممتدة تجاه النهر والجسر. تساءلت في بادئ الأمر، بحساسية ولأني كنت مشبعا بكراهية أمي، إن كنت سأودع في غرف الخدم.
Bilinmeyen sayfa