أراح زان كتفيه للوراء وتنفس الصعداء كسباح منهك يخرج رأسه لينفض الماء عن عينيه.
لبرهة تنفس بصعوبة، ثم قال بهدوء: «أنا متشوق لرؤيتها. لا أريد أن أخيفها. لقد أتيت ومعي سيارة إسعاف، ومروحية، وأطباء وقابلات. أحضرت كل شيء تحتاج إليه. سيولد الطفل في راحة وأمان، وستعامل الأم على أنها معجزة كما تستحق؛ يجب أن تعرف ذلك. إن كانت تثق فيك ، فبإمكانك أن تخبرها أنت بذلك. طمئنها وهدئ من روعها، وأخبرها أنه لا يوجد ما يدعوها لأن تخافني.» «بل يوجد أسباب كافية تدعوها لأن تخافك. أين رولف؟» «لقد مات.» «وجاسكوين؟» «مات هو الآخر.» «وقد رأيت جثة ميريام. إذن لم يبق على قيد الحياة أحد ممن يعرفون حقيقة ذلك الطفل. تخلصت منهم جميعا.»
قال زان بهدوء: «لم يبق سواك أنت.» عندما لم يرد ثيو تابع قائلا: «أنا لا أنوي قتلك، ولا أريد ذلك. فأنا بحاجة إليك. لكن يجب أن نتحدث الآن قبل أن أراها. يجب أن أعرف لأي مدى يمكنني الاعتماد عليك. بإمكانك أن تساعدني فيما سأفعل معها، فيما يجب علي أن أفعله.»
قال ثيو: «أخبرني بما عليك فعله.» «أليس الأمر واضحا؟ إن كان الطفل ذكرا ولم يكن عقيما، فسيكون أبا للجيل الجديد. إن كان قادرا على إنتاج المني، المني الخصيب، في سن الثالثة عشرة - أو ربما في الثانية عشرة - فستكون الإناث من الأوميجيات في الثامنة والثلاثين فحسب من أعمارهن. وبإمكاننا أن نأتي منهن بنسل، ومن نساء أخريات مختارات. وقد نتمكن من أن نأتي بنسل مجددا من المرأة نفسها.» «لقد مات والد طفلها.» «أعرف ذلك؛ فقد أخبرنا رولف بالحقيقة. لكن إن كان يوجد رجل واحد غير عقيم، فقد يوجد آخرون. سوف نضاعف برنامج الاختبار؛ فقد صرنا مهملين مؤخرا. سنفحص الجميع، من يعانون من الصرع، ومن التشوهات؛ كل ذكر في البلاد. وقد يكون الطفل ذكرا ويكون غير عقيم. سيكون أملنا الأكبر. أمل العالم.» «وجوليان؟»
ضحك زان. «على الأرجح سأتزوجها. على أي حال، سنعتني بها. عد إليها الآن. أيقظها. أخبرها أني أتيت بمفردي. وطمئنها. قل لها إنك ستساعدني على الاعتناء بها. بربك يا ثيو، هل تدرك حجم السلطة التي بين يدينا؟ عد إلى المجلس، وكن نائبي. بإمكانك أن تحصل على أي شيء تريده.» «كلا!»
عم الصمت لبرهة. ثم سأل زان: «أتذكر الجسر في وولكوم؟» لم يحمل السؤال استجداء عاطفيا لولاء قديم أو لصلة الدم، ولا تذكرة بلفتة ود بدرت من أي منهما. كل ما في الأمر أن زان تذكر ذلك الموقف وابتسم مبتهجا به.
قال ثيو: «أتذكر كل ما حدث في وولكوم.» «لا أريد قتلك.» «ستضطر إلى ذلك يا زان. وقد تضطر إلى قتلها هي أيضا.»
أشهر مسدسه. فضحك زان عندما رآه. «أعلم أنه ليس ملقما. قلت ذلك للعجوزين، أتذكر؟ ما كنت ستترك رولف يهرب لو كان معك مسدس ملقم.» «وكيف كنت تتوقع أن أوقفه؟ أكنت تتوقع أن أردي زوجها أمام عينيها؟» «زوجها؟ لم أكن أعرف أنها تهتم كثيرا لأمر زوجها؛ فليست تلك الصورة التي رسمها لها طواعية قبل أن يلقى حتفه. أنت تتصور أنك واقع في حبها، أليس كذلك؟ لا تضفي عليها صبغة رومانسية. فقد تكون أهم امرأة في العالم، لكنها ليست مريم العذراء. والطفل الذي تحمله يظل طفل بغاء.»
التقت عيناهما. قال ثيو في نفسه: «ماذا ينتظر؟ هل يجد أنه لا يستطيع قتلي بدم بارد، مثلما أجد أني لا أستطيع قتله؟» مر الوقت، ثانية طويلة تلو أخرى. ثم مد زان ذراعه وصوب مسدسه. وفي ذلك الجزء من الثانية بكى الطفل، مطلقا نحيبا حادا، كصرخة احتجاج. سمع ثيو هسيس رصاصة زان وهي تمر خلال كم سترته دون أن تحدث ضررا. أدرك في ذلك الجزء من الثانية أنه لم يتسن له رؤية ما تذكره بوضوح شديد فيما بعد؛ وجه زان وقد ارتسمت عليه تعابير الفرحة والنصر، ولم يتسن له سماع صيحة الاستحسان العالية التي أطلقها، صيحة كتلك التي أطلقها على الجسر في وولكوم. لكن تلك الصيحة التي تذكرها ودوت في أذنيه هي التي أطلقها زان عندما أطلق ثيو الرصاصة لتخترق قلبه.
بعد دوي الرصاصتين، لم يسمع سوى الصمت المهيب. بعدما دفع هو وميريام بالسيارة إلى البحيرة، تحولت الغابة المسالمة في نظره إلى دغل صاخب، يعج بأصوات متنافرة من صرخات وحشية، وأغصان تتكسر، ونداءات طيور ملتاعة، لم تخفت إلا مع تبدد آخر موجة ترقرقت في صفحة النهر. لكن الآن لم يسمع أي شيء. خيل إليه أنه كان يقترب من جثة زان كممثل في فيلم بالحركة البطيئة، فكان كأنما يلطم الهواء بكفيه ويخطو بقدميه خطى عالية، تكاد لا تطأ الأرض؛ وتمدد الزمن فصار بلا نهاية فبدت جثة زان كهدف بعيد يشق طريقه نحوه بمشقة في زمن متوقف. ثم، كأنما أفاق عقله، عاد إلى الواقع مرة أخرى وأحس على التو بحركات جسده السريعة، وبكل كائن صغير يتحرك بين الأشجار، وبكل ورقة عشب تنثني تحت نعل حذائه، وبحركة الهواء وهو يصطدم بوجهه، والأهم من كل ذلك بجسد زان الراقد عند قدميه. كان مستلقيا على ظهره، فاتحا ذراعيه، وكأنما يستريح بجوار نهر ويندرش. كان وجهه مستكينا، غير مندهش، وكأنما كان يتصنع الموت، لكن عندما جثا ثيو على ركبتيه رأى أن عينيه قد صارتا مجرد دائرتين خاويتين، عينيه اللتين كان البحر يموج فيهما من قبل لكن الآن انحسرت عنهما أمواجه وتركهما خاويتين. نزع الخاتم من إصبع زان، ثم وقف منتصبا وانتظر.
Bilinmeyen sayfa