ناولته ميريام الكيس البلاستيكي وقد وضعت فيه الكوبين وأدوات المائدة فوضعه على أرضية السيارة. ثم أضافت قائلة، وكأنما خشيت أن يحمل كلامها على اللوم: «لم يحالفك الحظ يا ثيو. لكنك نجحت في الحصول على سيارة، وذلك لم يكن يسيرا. ودونها ما كان سيصبح أمامنا أي فرصة.»
تمنى لو أنها قالت: «لقد اعتمدنا عليك فلم تخذلنا.» وابتسم بحسرة عندما خطر له كيف أنه، وهو الذي لم يسع يوما لأن ينال استحسان أحد، كان يسعى لنيل رضاها وثنائها.
وصلوا أخيرا إلى أطراف شارلبوري. أبطأ سرعته، باحثا عن محطة فينستوك القديمة، ومنحنى الطريق. كان عليه أن يبحث عن الدرب المؤدي إلى الغابة على الجانب الأيمن بعد المنحنى مباشرة. كان معتادا على القدوم إليها من أكسفورد وحتى حينها كان يسهل أن يغفل عن المنعطف. أطلق تنهيدة ارتياح مسموعة عندما مر بالسيارة بجوار مباني المحطة، ثم سلك المنحنى، فرأى على يمينه صف الأكواخ الحجرية الذي استدل به على اقترابه من الدرب. كانت الأكواخ خاوية، ونوافذها موصدة بالألواح الخشبية، وتكاد تكون حطاما. لوهلة، تساءل إذا كان بإمكانهم أن يتخذوا من أحدها ملجأ؛ لكنها كانت مكشوفة وقريبة للغاية من الطريق. كان يعلم أن جوليان تريد أن تتوغل داخل الغابة.
قاد بحرص في الدرب وسط الحقول المهملة صوب الأشجار الكثيفة البعيدة. قريبا سيحل ضوء النهار. نظر إلى ساعة يده فوجد أن السيدة كولينز ستكون قد وصلت وحررت الزوجين العجوزين. بل إنهما على الأرجح يستمتعان الآن باحتساء قدح من الشاي، ويرويان محنتهما، فيما ينتظران وصول الشرطة. عندما بدل التروس كي ينجح في اجتياز جزء صعب من الدرب الصاعد، خيل إليه أنه سمع جوليان تشهق وتحدث صوتا غريبا بين النخير والأنين.
استقبلتهم الغابة فاتحة أذرعها الداكنة القوية. صار الدرب أضيق، وأطبقت عليهم الأشجار. كان على يمينهم جدار من الأحجار الجافة تهدم نصفه، فتبعثرت حجارته المكسورة على أرض الدرب. وضع ذراع النقل على ترس السرعة الأولى وحاول أن يحافظ على ثبات السيارة. بعد أن قطعوا حوالي ميل، مالت ميريام إلى الأمام وقالت: «أظن أننا سنتمشى لبعض الوقت. سيكون ذلك أسهل لجوليان.»
ترجلت المرأتان، واستندت جوليان إلى ميريام، وشقتا طريقهما بحرص فوق النقر والحجارة المنتشرة في الدرب. ظهر في أنوار السيارة الجانبية أرنب مجفل تسمر للحظة، ثم وثب أمامهم بذيله الأبيض. فجأة حدثت جلبة صاخبة واندفع شبح أبيض تبعه آخر خلال الشجيرات، وكادا يصطدمان بغطاء المحرك. كانت غزالة وصغيرها. جنحا إلى جانب الدرب، يشقان طريقهما عبر الشجيرات، ثم اختفيا وراء الجدار، وحوافرهما تقعقع فوق الحجارة.
من آن لآخر، كانت المرأتان تتوقفان وكانت جوليان تنحني بينما تسندها ميريام بذراعها. بعد أن تكرر ذلك للمرة الثالثة، أشارت ميريام لثيو أن يتوقف. وقالت: «أظن أن من الأفضل لها أن تركب في السيارة الآن. كم تبقى أمامنا؟» «ما زلنا على أطراف الريف المفتوح. قريبا جدا سننعطف يمينا. بعد ذلك سيكون أمامنا حوالي ميل.»
تابعت السيارة سيرها مرتجة. تبين أن المنعطف الذي يذكره كان مفترق طرق ولوهلة حار أي اتجاه يسلك. ثم قرر أن يسلك الاتجاه الأيمن؛ حيث كان الدرب، الذي كان لا يزال أضيق، ينحدر باتجاه الأسفل. فذلك حتما سيكون الطريق المؤدي للبحيرة، وسيليها سقيفة الحطب التي يذكرها.
صاحت ميريام: «هناك منزل على اليمين.» التفت فلاحظه في الوقت المناسب. كان كشبح بعيد يطل عبر فرجة ضيقة في كتلة الأشجار والشجيرات المتشابكة. كان يقف وحيدا في حقل واسع منحدر. قالت ميريام: «لا يصلح. فهو مكشوف للغاية. وليس ثمة مكان يمكن الاختباء فيه في الحقل. من الأفضل أن نتابع المسير.»
كانوا يدخلون إلى قلب الغابة. بدا كأن الدرب بلا نهاية. مع كل ياردة يقطعونها، كان الدرب يضيق أكثر وكان يسمع صوت احتكاك الأغصان بالسيارة. فوقهم، كانت الشمس الآخذة في السطوع تبدو مثل قرص من الضوء الأبيض المشتت لا يكاد يرى فوق الأغصان المتشابكة لأشجار البيلسان والزعرور. بينما كان يحاول باستماتة أن يتحكم في المقود، خيل إليه أنهم ينزلقون رغما عنهم في نفق من الظلمة الخضراء سينتهي بهم إلى سياج شجري لا يمكن اختراقه. كان يتساءل إذا كانت الذاكرة قد خانته، وإذا كان من المفترض أن يسلكوا الاتجاه الأيسر حين اتسع الدرب فجأة وظهرت أمامهم فرجة معشبة. ورأوا أمامهم الالتماعة الخافتة لصفحة مياه البحيرة.
Bilinmeyen sayfa