56
ولعل المناكاة مفاعلة من نكى بمعنى أتى عملا لإغضاب الغير وقهره، ومنه «ضعيف النكاية أعداءه»، فيظهر أنه كان من حيلهم أنهم يتهاجون ويتسابون ويتخاصمون تصنعا حتى يستلبوا مال الناس؛ ولعل المقامة الدينارية في مقامات البديع - التي تمثل رجلين يتسابان بأقبح السباب من هذا الضرب - وقد جمع فيها كل سب كان في عصره من مثل: يا برد العجوز، يا وسخ الكوز، يا درهما لا يجوز، يا سنة البوس، يا كوكب النحوس ... إلخ. فرد عليه الآخر بقوله: يا قراد القرود، يا لبود اليهود، يا عدما في وجود ... إلخ. وقد ذكر البديع في هذه المقامة أنهما كانا من بني ساسان.
فترى من هذا أن الضرب من الحفاة الذي جر إليه سوء الحالة الاقتصادية، وعدم التوازن الاجتماعي، والإفراط في البؤس بجانب الإفراط في الترف، قد انعكست صورته على الأدب، فأخرج المقامات وغيرها من أدب التكدي، كما أخرج شعرا كثيرا في شكوى الزمان وسوء الحال، من مثل ما نراه في شعر ابن لنكك البصري كقوله:
يا زمانا ألبس الأح
رار ذلا ومهانه
لست عندى بزمان
إنما أنت رمانه
كيف نرجو منك خيرا
والعلا فيك مهانه
أجنون ما نراه
Unknown page