124

Zuhr Islam

ظهر الإسلام

Genres

وكان ابن الفرات يعطي الفقهاء والعلماء والفقراء وأهل البيوتات؛ أكثرهم مائة دينار في الشهر، وأقلهم خمسة دراهم وما بين ذلك.

32

لهذا كله كانت كل أنظار الناس موجهة إلى الخلفاء والأمراء، فالعلماء إن أرادوا الغنى لم يجدوه إلا في خدمتهم، والشعراء إن أرادوا العيش لم يجدوه إلا في مديحهم، والتجار إن وقع شيء ثمين في يدهم من جوهر أو جوار لا يجدون نفاقا لها إلا في قصورهم، والصناع إذا أحسنوا صناعة شيء فهم مقدصهم، أما سائر الشعب ففقير بائس قل أن يجد الكفاف! فالعلماء إذا بعدوا عن القصور عز قوتهم، والشعراء لا يشعرون لأنفسهم ولا لعواطفهم، وإنما يشعرون للمال ينشدونه من يد الخلفاء والأمراء؛ ولهذا كان أكثر شعرهم مديحا، والفنانون والتجار كذلك. وكان أكثر مديح الخلفاء والأمراء بالكرم والسخاء، لا بالعدل والحزم وضبط الأمور.

فإذا نفد مال الخلفاء والأمراء صادروا الأغنياء ليسلبوهم مالهم، ثم يوزعونه على شهواتهم وأتباعهم. فنشأ عن هذا إخفاء الأموال والتظاهر بالفقر، وهرب بعيدي النظر من التقرب من الخلفاء وذويهم، ونشأ في الأدب العربي كثير من الشعر والنثر يحمد الفقر والبعد عن البلاط،

33

كما نشأ شيوع التصوف والميل إليه.

كان بجانب هذا الغنى المفرط، والإمعان في اللذائذ، فقر مدقع يقع فيه العلماء وعامة الشعب ممن لم يتصلوا بالخلفاء والأمراء ومن إليهم.

هذا «عبد الوهاب البغدادي المالكي» فقيه أديب شاعر له المصنفات الرائعة في الفقه، لم يكن في المالكيين أفقه منه في زمنه، ولما نزل معرة النعمان في رحلته أضافه أبو العلاء وقال فيه:

والمالكي ابن نصر زار في سفر

بلادنا فحمدنا النأي والسفرا

Unknown page