Zucama Islah Fi Casr Hadith
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Genres
أجاب الكردي بأن هذا الداء خاص ببعض الولايات: ولكن عرض الفتور عام في الولايات الإسلامية التي فيها هذا الشأن وغيره، فلا بد أن يكون السبب شيئا أعم من ذلك. وعندي أن السبب هو أن المسلمين أصيبوا باقتصارهم على العلوم الدينية وإهمالهم العلوم الدنيوية، كالرياضة والطبيعة والكيمياء، على حين أن هذه العلوم نمت في الغرب وترقت وظهر لها ثمرات عظيمة في جميع الشئون المادية والأدبية، حتى صارت عندهم كالشمس، لا حياة لهم إلا بنورها، وأصبح المسلمون في أشد الحاجة إليها في جميع أمورهم: من تربية الطفل إلى سياسة الدولة. ومن عمل الإبرة إلى عمل المدافع والبوارج. ومن استخدام اليد إلى استخدام الأسلاك والبخار - فابتعاد المسلمين إلى الآن عن هذه العلوم النافعة الحيوية. جعلهم أحط من غيرهم من الأمم. وكلما تمادت الأيام بعدت النسبة بينهم وبين جيرانهم.
أجاب الإسكندري: إن هذا يصلح سببا، ولكن ليس كل السبب، لأن فقد العلوم لا يصلح سببا لفقد الإحساس الشريف والأخلاق العالية، وإنما السبب نومنا ويأسنا.
قال التتري: إن هذا شكاية حال لا شرح أسباب؛ إنما السبب عندي فقدان القادة والزعماء؛ فلا أمير حازم يسوق الأمة طوعا أو كرها إلى الرشاد؛ ولا زعيم مخلص تنقاد له الأمراء والناس، ولا رأي عام يجمع الناس على غرض نبيل.
والأفغاني يرى أن سبب الفتور الفقر، وهو قائد كل شر، ورائد كل فساد، فمنه الجهل، ومنه الانحطاط الخلقي، ومنه تتشتت الآراء حتى في الدين، فليس ينقصنا عن الأمم الحية إلا القوة المالية؛ ولكن المال لا يأتي إلا بالعلوم والفنون العالية، وهذه لا تنتشر في الأمة إلا بالمال؛ وبهذا تحدث مشكلة الدور، ويجب أن تبحث عن حلها.
أجاب المسلم الإنجليزي: إن الفقر في المملكة الإسلامية ليس طبيعيا، فهي بلاد غنية، لو نفذت تعاليم الإسلام فيها من تحصيل الزكاة والكفارات وما إلى ذلك وصرفت في وجوهها لخفت وطأة الفقر؛ وإنما سبب الفتور في نظره وفقد الاجتماعات والمفاوضات وتبادل الآراء فنسى المسلمون حكمة تشريع الجمعة والجماعات والحج، وصارت الخطب التي تلقى تافهة لا قيمة لها، وكان الغرض منها التحدث في الأحوال الطارئة. وبلغ من سوء رأيهم أنهم عدوا التحدث في الأمور العامة فضولا، والكلام فيها في المساجد لغوا، فلما انعدم الكلام في المصالح العامة أصبح كل شخص لا يهتم إلا بنفسه، ولا اهتمام له بالصالح العام ولا بغير ذلك من الشئون، حتى لو بلغهم خبر تخريب الكعبة - لا قدر الله - ما زادوا على أن يقطبوا جبينهم لحظة وينتهي الأمر. والأمم الحية في الوقت الحاضر تهيئ الفرص للاجتماعات ومبادلة الآراء ما أمكن، بكثرة النوادي والمجتمعات، وتنظيم الرحلات والسياحات، وكثرة الخطب والمحاضرات حتى في المتنزهات، وعقد المؤتمرات للمناسبات، وتذكيرهم بتاريخهم وأهم أحداثهم، وبثهم في الأغاني والأناشيد ما يبعث على حب البلاد والحرية ويحمس للخير العام.
ورأى الصيني أن السبب هو تكبر الأمراء وميلهم للعلماء المتملقين المنافقين، الذين يتصاغرون لديهم، ويتذللون لهم، ويحرفون أحكام الدين ليوفقوها على أهوائهم، فماذا يرجى من علماء دين يسترون بدينهم دنياهم، ويقبلون يد الأمير لتقبل العامة أيديهم، ويحقرون أنفسهم للعظماء ليتعاظموا على ألوف من الضعفاء، فأفضل الجهاد عند الله الحط من قدر العلماء المنافقين عند العامة وتحويل وجهتهم لاحترام العلماء العاملين. وعندنا في الصين رجال حكماء نبلاء لهم نوع من السيادة حتى على العلماء، وهؤلاء هم الذين يسمون في الإسلام أهل الحل والعقد وهم خواص الطبقة العليا في الأمة الذين أمر الله نبيه بمشاورتهم؛ وتاريخ المسلمين يدل على ارتباط القوة والضعف بمنزلة أهل الحل والعقد في الأمة. والخلاصة أن سبب الفتور استحكام الاستبداد في الأمراء، وانعدام أهل الحل والعقد من الأمة.
وقال النجدي: إن سبب فتور المسلمين الدين الحاضر نفسه، بدليل التلازم؛ فالدين الحاضر ليس دين السلف: إن الدين الحاضر ترك إعداد القوة بالعلم والمال والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وإيتاء الزكاة إلى غير ذلك مما بينه إخواننا. قد يقول قائل: إن كان دين دخل عليه التغيير ولم يؤثر في أهله الفتور؛ بل قال كثير من رجال الغرب إنهم ما أخذوا في الترقي إلا بعد فصلهم الدين عن شئون الحياة الدنيا. والجواب أن كل أمة لا بد لها من نظام ثابت تسير عليه، ويلائم نفسها وبيئتها وعلاقاتها التجارية والسياسة، والقانون الطبيعي الذي يتفق والطبيعة البشرية هو إذعان الإنسان لقوة غالبة هي الله الذي يوحي به الإلهام الفطري؛ ولهذه الفطرة علاقة عظمى بتنظيم شئون حياته، وهي أقوى وأفضل وازع - وكل الأديان راجعة إلى أصل صحيح واحد، فإذا تغير أو فسد؛ فسد الناس لاختلال هذا الوازع، قال تعالى: «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا»، «والأمة كلما قربت من الأصل الصحيح والمبادئ الصحيحة قربت من الكمال».
وهنا أعلن الرئيس أن البحث في أعراض الداء وأسبابه قد نضج أو كاد، فيكتفي فيه بهذا القدر، ويجب نقل البحث إلى موضوع آخر، قال: وكلمة أخينا النجدي تلهمنا الموضوع الآتي الذي نبحثه، وهو: ما هو الإسلام الصحيح؟
5
بعد هذا انتقل بحث المؤتمر إلى تحديد «الإسلام الصحيح» وما دخل عليه من تغيير؛ وقد أفاض في ذلك العضو النجدي، فقال: «إن الإيمان بالله أمر فطري في البشر، وحاجتهم إلى الرسل لإرشادهم إلى كيفية الإيمان، ويختلف الناس في تصور الله، والعقول البشرية مهما قويت واتسعت لا تتحمل إدراك صفات الله الأزلية المجردة عن المادة والزمان والمكان، فاحتاجت إلى من يرشدها».
Unknown page