265

( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم (158))

ولما ذكر الله سبحانه امتحان العباد بالتكليف والإلزام مرة ، وبالمصائب والآلام أخرى ، ذكر سبحانه أن من جملة ذلك أمر الحج الذي يتضمن المشاق الكثيرة والمتاعب العظيمة ، فقال : ( إن الصفا والمروة ) هما علما جبلين بمكة ( من شعائر الله ) من أعلام مناسكه ، جمع شعيرة وهي العلامة ، أي : هما من أعلام مناسكه ومتعبداته ( فمن حج البيت أو اعتمر ). الحج لغة القصد ، والاعتمار الزيارة ، فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين ، فهما في المعاني كالنجم والبيت في الأعيان. ومعناه : إذا قصده لأجل أداء النسكين المعروفين ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) أصله : يتطوف ، فأدغم.

وإنما قال : ( فلا جناح عليه ) والسعي بينهما واجب ، لأنه كان على الصفا أساف ، وعلى المروة نائلة ، وهما صنمان ، يروى أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة ، فمسخا حجرين ، فوضعا عليهما ليعتبر بهما ، فلما طالت المدة عبدا ، وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما ، فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان تحرج المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية ، ورفع عنهم الجناح بهذه الآية ، والإجماع على أنه مشروع في الحج والعمرة.

( ومن تطوع خيرا ) أي : من تبرع بالسعي بين الصفا والمروة بعد ما أدى الواجب من حج أو عمرة ، أو من تطوع بالخيرات وأنواع الطاعات. ونصبه على أنه صفة مصدر محذوف ، أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه ، أو بتعدية الفعل ، لتضمنه معنى «أتى» أو «فعل». وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب : يطوع ، وأصله : يتطوع ، فأدغم ، مثل : يطوف ( فإن الله شاكر ) مثيب على الطاعة ( عليم ) لا يخفى عليه

Page 270