============================================================
في شيء من القرون والأزمنة رغبة هذه الأمة في لسان العرب من بين الألسنة حتى أن جميع الأمم فيها راغبون، وعليها مقبلون ، ولها بالفضل مقرون، وبفصاحتها معترفون، وحتى نقلوا الكتب المنزلة، مثل التوراة والإنجيل والزبور وسائر كتب الأنبياء، من السريانية والعبرانية إلى العربية، ونقلوا ما قالته حكماء العجم(1) من الفارسية إلى العربية، وسائر ذلك من كتب الفلسفة والطب والنجوم والهندسة والحساب من اليونانية والهندية(2) إلى العربية. وحرصث كل أمة على تعلم(3) العربية ليترجموا ما في أيديهم بها، ولم يرغب أهل القرآن والكتاب العربي في نقله إلى شيء من اللغات، ولا قدر أحذ من الأمم أن يترجمه بشيء من الألسنة. ولو قدروا عليه لفشا ذلك فيهم، وجرت الألسنة به عندهم، ولكن تعذر ذلك عليهم، لكمال لغة العرب ونقصان سائر اللغات.
ف إن قال قائل: لم يفعلوا ذلك [إلا](4) زهدا فيه، ورغبة عنه، أكذبه العيان وأوهن حجته ما جبل عليه أشراف الناس وذوي الأخطار والهمم منهم من المحبة لمعرفة الأشياء، والعلم بها، ونزاع نفوس ذوي الأقدار والرفعة إلى الوقوف علىا جميع الآداب. فإن الملوك وأهل الشرف من كل أمة قد رغبوا في نقل كتب لها م قدار صغير وخطر يسير إلى لغتهم شوقا منهم إلى معرفتها، وعشقا للوقوف على حقائقها، والعلم بها والبصيرة فيها، فكيف القرآن الذي عظم الله شأنه، وأجل مقداره، وأخضع رقاب الأمم لسنته، وأمضى عليهم ما شرع فيه من أحكامه؟ وقدا حاول كثير من الناس ذلك، فعسر عليهم نقله، وتعذرت ترجمته، فترجموا منه شيئا يسيرا، مثل "بسم الله الرحمن الرحيم"، ومثل لاسورة الحمد" على استخراج شديد، ونقل بعيد. وقد قال بعض العلماء باللغة: لو أن الناس جهدوا(5) أن ينقلوا قول الله عز وجل سيهزم الجمع ويولون الدبر) [القمر: 45]، وقوله فسوف (1) هكذا في م وس وق والمطبوع، وفي ه وك : الحكماء العجم (2) الجملة من (والحساب) سقطت من م.
(3) هكذا في المطبوع، وفي ه: تعليم.
(4) زيادة منا لم ترد في الأصول.
(5) هكذا في الأصول، وفي ه: اجتهدوا ، وفي المطبوع : عهدوا .
Page 93