لا تستبد به الرغبة الآثمة فيها إلا حين يسجد بين يدي الله بعد أن يتناول طعام العشاء، ويدخن شيئا مما يذهب الحزن والاكتئاب، أو يبتلع حبة من حبوب السعادة، التي كتبها له الطبيب النفسي. بينما هو ساجد فوق سجادة الصلاة، تزحف إليه الرغبة الآثمة مثل ثعبان، مثل الحية التي أغوت آدم وحواء. تزحف على بطنها لتلامس بطنه الممتلئ بالطعام، بالدم الهارب من رأسه بعد الأكل، الدم الهابط عبر العنق والصدر إلى أسفل البطن، يزحف الدم ساخنا تحت شعر العانة الأسود، الذي كان غزيرا في الشباب، كان يحلقه بالموسى، ثم أصبح يتساقط مع الزمن. ينتفخ العضو الصغير تحت الشعر، ينتصب برأسه المدبب يتشمم الأنثى، تفرغ خلايا عقله من الدم، يصبح رأسه خاويا باردا، وجسده ساخنا ملتهبا بالإثم، يلصق جبينه بالأرض، يدعو الله أن يبعد عنه الشيطان والغواية، يسمع في أعماقه صوتا يشبه فحيح إبليس. - اذهب إليها يا رجل، إنها امرأة مثل غيرها من النسوان، ناقصة عقل ودين، ضعيفة أمام شهوتها. إن أثارها رجل تبددت قواها. أباح الله لك من النساء ما تشاء، فأنت الأمير، مندوب الله فوق الأرض، اذهب إليها الليلة، أفرغ في جسدها غدة الشيطان، لتتفرغ أنت في الغد لأعمالك الجليلة. سوف تفتتح غدا المؤتمر الدولي للحوار بين الأديان، سوف تلقي خطبة ضد الكفرة الذين لا يؤمنون بالله والكتب السماوية الثلاثة، القرآن والإنجيل والتوراة، أرسلها الله هدى ونورا للعالمين. اذهب يا رجل إليها، لا تتردد، لا تخف، فالله معك في كل خطوة، الله ينصرك يا أمير، ولا ناصر إلا الله. الله هو الحب والجمال، الله جميل يحب الجمال، الموسيقى الجميلة، الصوت الجميل نعمة من نعم الله، لماذا تحرم الموسيقى والرقص والغناء يا رجل؟ لماذا تنساق وراء ذلك الشيخ الأعمى الذي لا يرى الجمال لأنه أعمى، الذي يقول: إن التماثيل حرام، وإن الذي يسمع الموسيقى قبل النوم لن يشم رائحة الجنة، وإن صوت المرأة الجميل يصرف ذهن الرجل عن عبادة الله. إن وجهها الجميل إن لم يختف وراء الحجاب يطرد الله من قلب الرجل المؤمن. المشكلة إذن في قلب الرجل المؤمن وليس في وجه المرأة، المشكلة إذن في عقل الرجل المؤمن وليس في صوت المرأة. ارفع رأسك يا رجل من فوق الأرض واذهب إليها، إنها امرأة مؤمنة مسلمة، ليست مثل تلك المرأة القبطية اللعوب التي أغرت شابا من المسلمين فترك الله والرسول من أجلها. هذه المرأة اللعوب التي فجرت الفتنة بين المسلمين والأقباط في الإسكندرية، هؤلاء النسوة سبب خراب البلد، سبب الفقر والحرائق والفتن الطائفية، إن كيدهن عظيم كما قال الله في كتابه الكريم. يمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين، إن كيد الله أكبر من كيدهن يا رجل. سوف يحميك الله من كيد أي امرأة، الله ينصرك على أعدائك، يسدد خطاك. لا تيأس من رحمة الله، تشجع يا رجل واذهب إليها، خذ معك حارسك الخاص، ومسدسك في جيبك، لا تخرج من البيت دون حارس ومسدس، فالله يقول اسع يا عبد وأنا أسعى معك، واحرس نفسك يا عبد وأنا أحرسك، والله لا يغير شيئا في قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
همس في أذنه الشيطان: وما فائدة الله إن لم يفعل شيئا إلا بعد أن تفعله، يا أحمد يا دامهيري؟
طرد أحمد الدامهيري الشيطان القابع عن يساره. كان الشيطان يقبع إلى جوار أذنه اليسرى وهو ساجد بين يدي الله، يحاوره ويراوغه دون منطق ولا عقل. إن كان الله يحرسه فما جدوى المسدس والحرس؟ إذا كان القرآن والإنجيل والتوراة من عند الله فلماذا تقع هذه المذابح بين النصارى واليهود والمسلمين؟ وإن وإن ...
يشوح أحمد الدامهيري بيده في وجه الشيطان، يرفع جسده عن سجادة الصلاة، يدخل إلى دورة المياه، ينظر إلى وجهه في المرآة فوق الحوض. كلما أمعن النظر إلى وجهه تناقصت ثقته بنفسه، لا يحب هذا الوجه خاصة الأنف والذقن، الشفتان المنفرجتان في بلاهة، أيمكن أن يقبلها بهاتين الشفتين؟! أسنانه كبيرة صفراء، تفوح من فمه رائحة الفسيخ والبسطرمة بالثوم. يدعك أسنانه بالمعجون الجديد، له نكهة النعناع، يتمضمض ويغرغر حلقه بالسائل الأزرق القاتل لجراثيم الفم، يغسل جسده تحت ماء الدش الدافئ، يدلك صدره الأملس دون شعر. تهبط يده إلى بطنه يدلك عضلاته، تهبط أكثر إلى الفأر الصغير المنكمش بين فخذيه.
تلمحه زوجته وهي تمر أمام الحمام. كان يترك الباب مفتوحا، لا يغلق الباب عليه وإن جلس فوق المرحاض، يمشي أمامها عاريا، يتجشأ أمامها بصوت عال، يلعب بإصبعه في أنفه، يهرش ما بين فخذيه. كان الحياء يتناقص مع تزايد السنين داخل بيت الزوجية، حتى راح الحياء في العدم ومعه الشهوة. لم تعد تهتز في جسده شعرة إن لامس زوجته، إن تعرت أمامه كما ولدتها أمها، أصبح ثديها كبيرا متهدلا فوق بطنها يشبه ثدي أمه.
سرت رائحة الكولونيا الفاخرة إلى أنف زوجته من خلال باب الحمام المفتوح، أدركت أنه في طريقه إلى سهرة حمراء مع امرأة جديدة، وليس إلى اجتماع المجلس التنفيذي في مقر الجماعة. كان يشفق على زوجته من قول الحقيقة، يؤمن بالآية الكريمة أو المبدأ العظيم: أظهروا محاسنكم والله أعلم بالسرائر، والله أدري بالنيات.
كانت بدور الدامهيري تتقلب في فراشها مؤرقة، تطاردها في الحلم أشباح الرواية، خاصة بدرية بطلة القصة، وهي امرأة عنيدة قوية الشكيمة. لا إله لها ولا رئيس ولا زوج، أقسمت ألا تقرب رجلا بعد حبها الأول، نعيم، قتلوه في السجن بعد المظاهرة الكبيرة، قبل طلوع الفجر بعد أن أودع فيها بذرة الحياة. لم تكن بدرية امرأة من لحم ودم، كانت خيالا يمشي فوق الجدار، يخترق الجدار والباب المغلق والنافذة الموصدة، كانت روحا تحلق عاليا في السماء وتهبط إلى بطن الأرض حين تشاء. تكشف الحجب، تنفذ من السطح إلى ما يغوص في القلوب والصدور والأحشاء، عينها مفتوحة لا تنام، تقرأ الغيب مثل عين الله.
أدركت بدرية أن أحمد الدامهيري في طريقه إلى زينة بنت زينات، ينوي اغتصابها بأي شكل، أو قتلها إن قاومت وعاندت وتكبرت. كانت بدرية تعرف سجل حياته منذ الطفولة، وكيف تسرب الإيمان إليه بعد الشك، كيف يتأرجح بين الشك واليقين، بين اليسار واليمين، بين الله والشيطان، كيف كان ماركسيا ملحدا ثم أصبح إسلاميا ممسوسا بالإيمان، كيف أصبح عضوا في حزب الجماعة الدينية السرية كما كان عضوا في الخلية الشيوعية تحت الأرض، كيف نمت الزبيبة فوق جبينه والسبحة بين أصابعه، كم من الأموال اختلسها، كم من النساء اغتصبهن، كم من الأرواح أزهقها وقتلها. كانت بدرية تعرف أنه يحتمي بالله والرسول، يلوح بالمصحف والسلاح في وجه من يخالفه، تسمعه يبكي ويئن فوق أريكة الطبيب النفسي، تسري إليها خفقات قلبه المتصاعدة تحت ضلوعه حين تقع عيناه على زينة بنت زينات.
تهمس بدرية في أذن بدور النائمة: أحمد، ابن عمك سيقتل ابنتك زينة. انتبهي يا بدور، انهضي من الفراش، اقتليه قبل أن يقتلها.
تتقلب بدور في السرير العريض مؤرقة، ترى زوجها إلى جوارها يغط في النوم، صوت شخيره متواصل منتظم، يشبه صوت الزمن يحرك عقارب الساعة، يشبه عين الله تدور مع دوران الأرض، وعين إبليس الساهرة. وجهه شاحب مثل أصحاب الأعمدة في الجريدة، رمادي بلون الدخان الخارج من فتحتي أنفه، ينفخ السيجار شامخا برأسه إلى السماء، يعاتب الله الذي حرمه من الموهبة. الله جعل موهبته أقل من مواهب الآخرين خاصة محمود الفقي، زوجته تقرأ عمود محمود الفقي قبل أن تقرأ عموده. تقول عنه كاتب موهوب، ترمقه بطرف عينها وهي تتمشى في النادي، جسمه طويل ممشوق، يمسك المضرب بأصابع قوية صلبة، مثل كلماته في عموده، مثل عضلات قضيبه، يضرب الكرة بقوة أربعين حصانا، لتطير في السماء ثم تسقط بعيدا جدا لا تكاد العين تراها، تصفق له زوجته بدور وتقول له: برافو يا محمود، برافو يا محمود.
Unknown page