Zaytuna Wa Sindiyana
الزيتونة والسنديانة: مدخل إلى حياة وشعر عادل قرشولي مع النص الكامل لديوانه: هكذا تكلم عبد الله
Genres
ويواصل الشاعر كلامه فيقول: إن هذه المشاعر العدائية ليست جديدة، وإنما كانت دائما كامنة تحت السطح، حتى أظهرتها الظروف السياسية الأخيرة، ثم يتذكر ما حدث له قبل عدة سنوات، عندما أطل من نافذة مسكنه في ليلة عيد الميلاد، فرأى كتابة على زجاج سيارته. وعندما نزل من بيته؛ ليتبين حقيقة الأمر وجد هذه الكلمات: «اخرجوا أيها الأجانب»، فكانت هدية عيد ميلاد لم يحسب لها أي حساب.
تلك أمثلة وحالات قدمها كمواطن أجنبي؛ ليبين مدى تأثيرها على سائر الأجانب، ومدى تأكيدها لسلطان الأحكام المسبقة، وخطرها على علاقات التعايش والتسامح بين الأفراد والشعوب والحضارات. فكيف تظهر هذه الأحكام، وكيف تفلت من عقالها بين الحين والحين؟ (ه) يحلل عالم النفس الاجتماعي «ألكزندر ميتشرليش» نشأة الأحكام المسبقة، وأساليب استخدامها في كتابه «على الطريق إلى المجتمع غير الأبوي»، ويقرر بحق أن كل محاولة للتعرف على مدى تأثير الأحكام المسبقة ستظل محاولة قاصرة، وأقل بكثير من الواقع الحقيقي. ويضيف الشاعر بعض أفكاره حول هذا الموضوع، فيبين كيف يتمكن الحكم المسبق من إنسان بالرغم من أن تجربته الشخصية تخالفه تمام المخالفة، وكيف نخدع أنفسنا بهذا الحكم أو ننخدع عن طريقه؛ فالحكم المسبق مرتبط على الدوام بنوع من الاستعداد للقيام برد فعل متطابق مع ذلك الحكم الذي يثيره ويوجهه. وهذا الاستعداد للقيام برد الفعل يتعامل مع موضوعه، وكأنه معروف لصاحبه عن خبرة شخصية، بينما هي مملى من الحكم المسبق ذاته، حتى ولو كانت الخبرة والتجربة الشخصية تتناقض معه (أي مع الحكم)، ويروي الشاعر مثلين بسيطين على ذلك، نكتفي بتقديم واحد منهما.
فقد نظم بعض الطلبة العرب العاملين في أحد المصانع بمدينة ليبزيج، تظاهرة يعلنون بها تضامنهم مع زملائهم. وكان بين هؤلاء الطلبة شاب عربي له شعر أشقر وعينان زرقاوان. وأراد رئيس العمال أن يستدعيه، فسأل أحد زملائه عن اسمه، ولما أجاب الزميل بأن اسمه هو «عبد المجيد» تملكته الدهشة، وصاح مناديا على الشاب: «ها! أنت يا أسود! تعال هنا» كان من الصعب عليه فيما يبدو أن ينطق بالاسم المعقد. وهنا تدخل الحكم المسبق أو استخرجه هو من لاوعيه الباطن؛ ليعفيه من النطق بالاسم. فالطالب عربي، ولهذا يلزم كذلك أن يكون أسود، على الرغم من أن رئيس العمال نفسه طالما داعبه قبل ذلك؛ بسبب شعره الأشقر.
من هذا المثل البسيط يتضح كيف يوجه الحكم المسبق ردود أفعالنا وجهة معينة، تكون في الغالب نحو التخريب والتدمير. وهذا على وجه التحديد هو الذي يعتمد عليه الغوغائيون المحرضون على كراهية الأجانب والخوف منهم، ومن كل ما هو أجنبي أو غريب. ولما كانت الأحكام المسبقة تعبر عن جانب مهم من جوانب الخضوع والطاعة التي تكمن جذورها الخفية في أعماق اللاوعي، فإن أولئك المحرضين يبرعون في تحريك الآليات التي تظهر هذا الجانب اللاواعي، في صورة الواقع الحقيقي.
يقول اسبينوزا في كتابه «الأخلاق»: «إن الإنسان الذي يتصور أن الشيء الذي يكرهه سوف يدمر، سيجد في ذلك شعورا باللذة». والتحليل النفسي والاجتماعي الحديث يعبر عما يقوله اسبينوزا بصورة أخرى؛ فعندما يلصق حكم مسبق بموضوع معين - أو شخص، أو فئة من الناس، أو شعب بأسره - فإن هذا الموضوع يحاط بهالة من الغرابة السحرية الخطيرة التي يصعب التنبؤ بتأثيرها وعواقبها. بذلك يتيح الحكم المسبق للدوافع العدوانية الضاغطة فرصة الإرضاء أو الإشباع. ويسقط الإنسان إحساسه الشخصي بالإحباط، أو بالذنب على غيره، وتنشأ الأحكام المسبقة التي تنشط وتنتشر بصورة جماعية؛ من خلال إحساسات متفق عليها ضد موضوعات متفق عليها. ومن ثم يصبح الموضوع الذي ألصق به الحكم المسبق في متناول قبضات مشاعر الكراهية والعدوان الساعية للتنفيس عن نفسها. وكلنا يعلم كيف استغلت أمثال هذه المشاعر في ظل الأنظمة الفاشية، والشمولية والدكتاتورية، على اختلاف صورها، منذ الحرب العالمية الثانية، حتى الوقت الحاضر، وكيف كلفت ملايين الناس أرواحهم، كما نرى ونسمع كل يوم عن تصاعد الكراهية في أوروبا ضد الأجانب، وعن شحن وسائل الإعلام الموجهة والمغرضة للأوروبيين والغربيين بالعداء نحو العرب والمسلمين، ولصق الكلمة التي تدل على العربي، وعلى الفلسطيني بوجه خاص، بصفة الإرهابي الذي يخبئ الخنجر تحت جلبابه أو عباءته، دون أن يتذكروا لحظة واحدة أن هذا الإرهابي كما يسمونه هو في الحقيقة رافض ومقاوم للاحتلال والإذلال، والاغتصاب اليومي لأرضه وبيته ووجوده ومستقبله. (و) هل نحن حقا عاجزون عن مواجهة سطوة الأحكام المسبقة؟ لو صح هذا لكانت مصيبة مميتة. إن الدساتير الحديثة في كل الدول التي تصف نفسها أو توصف بأنها دول ديموقراطية تنص صراحة على عكس المفهوم السائد من الأحكام المسبقة، كما يشيع اليوم عبر أجهزة الإعلام الجبارة، أعني أنها تنص على الحرية والتسامح نحو الأجانب، ولكن السؤال هو: إلى أي حد يلتزم مواطنو هذه الدول، وممثلو السلطة فيها من الناحية العملية والسلوكية بالواجبات التي تنص عليها دساتيرهم عن الحرية والتسامح والحقوق المدنية ... إلخ؟ إن الحكم المسبق - وهو بطبيعته حكم خاطئ أو مغرض - يقوم دائما على الجهل، كما يمكن في كثير من الأحيان أن يثيره الإحساس بالإحباط والتخوف من الآخر وسوء الظن به، فضلا عن ضيق الأفق، وسيطرة النزعات العصبية أو الإقليمية أو العنصرية أو الطائفية ... إلخ. إنه - أي الحكم المسبق أو المتحيز - يضع الحقائق الفعلية خلف قناع، ويشوهها عن عمد، كما يوجهه ويحفز عليه وينفخ فيه النار منطق زائف مغلوط، يحتاج دائما إلى كشفه وتسليط ضوء الوعي عليه، حتى لا يقع التعايش السلمي. وواقع حياة الناس بعضهم مع بعض ضحية هذا التزييف والتشويه القاتل الذي يمكن، بل يحدث كثيرا، أن تترتب عليه كبرى المصائب.
ما السبيل إذن للتخلص من الأحكام المسبقة والارتفاع فوقها؟ السبيل الوحيد هو قدرة الفرد على الشعور بواقع الآخر والتعاطف معه، واستعداده للخروج من مخابئ سوء الظن وأوهام الدفاع عن النفس التي يتحصن وراءها؛ لكي يلتقي بالآخر ويحاوره ويفهمه، ويضع نفسه داخل ظروفه وأحواله. وهنا يمكن للأدب والثقافة، بوجه عام، أن تؤدي دورا لا يستهان به في هدم الأحكام المسبقة، والتقريب بين الأفراد والشعوب تحت سقف المودة والسلام والاحترام، والاعتراف المتبادل. ولا شك أن ما نطلق عليه اسم «الأدب العالمي» - الذي كان جوته أول من بشر به، وأعلن في أحاديثه الشهيرة مع إكرمان أنه يمثله ويمارسه بالفعل - قد قام وما زال يقوم بدوره في تشييد بناء الإنسانية المتحابة، والأخوة العالمية المستندة إلى تعدد الآداب، وتنوع الثقافات، وتفاعلها في إطار حضارة كونية واحدة. ولا شك أيضا أن الخصوصيات التي يتميز بها كل أدب قومي، بسبب مادته نفسها والمخاطب الذي يتوجه إليه، هي الأقدر من غيرها على اكتشاف الآخر، أو الغريب والأجنبي عنا، بحيث نرى وجهه الإنساني، ونمزق عنه القشرة التي شوهته، أو ما زالت تشوهه بفعل الصراعات المحتدمة على المصالح المتعارضة. إن الأدب هو الذي يقدم لنا وجه الآخر بملامحه الحقيقية، وهو الذي يجعلنا نسمع صوته ونحس نبضات قلبه وآلام جسده ونفسه. والإنسان الذي نقترب منه إلى هذه الدرجة يصعب علينا بعد ذلك أن نلصق عليه لافتة الحكم المسبق، أو نحفر عليه وشم التحيز الأسود. ولما كان الأدباء نوعا من البشر لا يستطيع - بحكم طبيعته، والهدف من عمله وحياته - أن يتخلى بسهولة عن «يوتوبياه»، أو حلمه بالمدينة البشرية الفاضلة والعادلة، وإذا كان هذا الحلم قد فشل حتى الآن في أن يصبح حقيقة، أو يقترب خطوة واحدة من الحقيقة (بعد أن أصبحت كرتنا الأرضية ساحة مخيفة بجوس فيها الاضطراب والتعصب، والعنصرية والإرهاب، والصراع على القوة والسيطرة، بجانب أشباح الجوع والفقر والظلم، والتزمت والأحكام المغرضة ... إلخ)، فليس معنى هذا الفشل أن نلعن الحلم نفسه، أو أن نتخلى عنه. لقد حلمت الإنسانية دائما بالسلام والتواصل. والأدباء الحقيقيون هم الذين علموها على الدوام أن تحلم هذا الحلم، وما زالوا يواصلون السير أمامهم ومعهم على طريق الأمل الصعب. أجل، لا خيار أمام البشر اليوم، ولا بديل عن الحياة والعمل مع بعضهم ولبعضهم إلا ببديل واحد هو: خراب الأرض، وفناء الجنس البشري. صحيح أن الهوة الفاصلة بين الحلم والواقع مظلمة ونازفة الجروح، وعميقة القرار، لكن مهمة الكاتب والكتابة هي أن تعلم الناس كيف يعملون على بناء الجسر الواصل بينهما، ولن يقام هذا الجسر حتى يتعلموا كيف يتواصلون مع بعضهم، كأفراد وشعوب وحضارات، ولن يتواصلوا حتى يتخلصوا من الأحكام المسبقة التي تعشش تحت جلودهم، وتحول بينهم وبين التلاقي والتحاور على أرض مشتركة، هي في النهاية أرضنا وأرض الجميع التي أصبحت اليوم مهددة بالاندثار بأكثر من خطر، وأكثر من سبب، ربما يكون هذا كلاما مكرورا إلى حد الملل، ولا جديد فيه، لكن الحاجة الملحة والمحنة القائمة لا تمنع من تكراره على كل قلم وكل لسان، والصراخ به بأعلى الأصوات ودق كل الطبول والأجراس. (ز) هذا الشاعر الذي ظل طوال حياته - على حد تعبيره في ديوانه الأخير - ينظر للآخر ويتمعن فيه ببطء، بل يتعاطف معه، ويمد له جسور المحبة والتواصل، ويفرد ذراعيه كجناحي طائر وحيد وحزين ليضيئا الشرق والغرب، ويجمعا شتات خطوط الطول؛ لتتعانق في صدره وشعره ونثره. ولم يتردد - كما عرفنا من محاضرته السابقة - عن مواجهة عدوانية الآخر الألماني نحو الأجانب، وحثه على التخلص من أحكامه المسبقة - ماذا يفعل هذا الشاعر، وهو يشهد الآثار الوحشية المدمرة لهذه الأحكام على بلاده وأهله - هذه الأحكام التي يرفع الآخر الغربي - الأوروبي والأمريكي - لافتاتها، ويبثها ليل نهار من وسائل اتصاله الكاسحة، وتمولها وتحركها جهات معروفة تقلب بها نيران أحقادها وأطماعها في أرضنا ومواردنا وحاضرنا ومستقبلنا، بل وفي تاريخنا وتراثنا الماضي نفسه - لا شك أن هذه الأحكام ليست شيئا جديدا ولا مفاجئا - فربما انغرست بذورها السامة في الوعي واللاوعي الغربي منذ العصور الوسطى، بل ربما منذ أن صاغ أرسطو نظريته المتعالية في المقارنة بين شعوب الشمال - ومنهم الإغريق الأذكياء الأحرار - وشعوب الجنوب والشرق الذي يمشون كالقطيع وراء الطاغية والمستبد الأوحد. لكنها اليوم حملات ضارية تقتحم جيوشها الكهرومغناطيسية كل الأبواب، وتنفذ من كل الجدران، وتعمل عملها الخفي والمعلن في أدمغة الأفراد والنظم والدول، والقوى المهيمنة؛ لتدبير العدوان تلو العدوان على وجودنا وثرواتنا وحقوقنا وكرامتنا. وعندما يتم العدوان بالفعل، ينفتح الجرح الذي طالما انبثقت منه أشعاره، وارتفع صوت ندائه وشجوه وشجنه، فيقول شعرا في «الرابسودية الفلسطينية» على أثر الغزو الصهيوني الوحشي للبنان، ومذبحة صابرا وشاتيلا التي لم يقلل مر السنين من بشاعتها وفظاعتها، ثم يقوله نثرا في العديد من المقالات التي تنشرها كبريات الصحف في ليبزيج، وفي الأحاديث التي تجري معه في كثير من الصحف الأجنبية والعربية عن «سيناريو حرب الخليج»، أو تمثيليتها السقيمة اللئيمة التي ألفت وغزلت خيوطها وخطوطها في كل من واشنطون، وتل أبيب. (ح) في مقال شجاع وصريح - نشرته جريدة الشعب في ليبزيج في ملحقها الأدبي والثقافي في اليوم السابع عشر من شهر مارس سنة 1991م - عن تمثيلية حرب الخليج، يسلط الشاعر - بعد انتهاء الهجوم البري بقليل - الأضواء الكاشفة على بعض زواياها الخفية التي لا يعرفها إلا العربي. فقد سكتت الأسلحة أخيرا، وبدأ أدعياء السلام المنتصرون ينادون من كل الجهات داعين لنظام عالمي جديد يفرضون عليه سلامهم هم - ولم لا، وقد تحطم الجيش العراقي الذي صوروا للناس أنه رابع جيوش العالم، وانقشع غبار المعركة - التي وصفها جنود الحلفاء، بأنها عملية صيد للبط - عن عشرات قليلة من الضحايا في صفوف المنتصرين، وعشرات الألوف، التي بلغت الخمسين أو المائة ألف ضحية، من المهزومين. لم يضغط صدام على الزر الذي تنطلق منه أسلحة الدمار الشامل المزعومة لإبادة اليهود - كما تخوف من ذلك أدباء كثيرون في الغرب - ولم ينجح في الظهور بمظهر هتلر ثان، كما صورته الاستعارات الصحفية والمبالغات الإعلامية. لقد كان، وما يزال، كارثة على شعبه، وعلى المنطقة بأكملها - حتى عندما كان الرؤساء الذين حاربوه وهزموه، لا يزالون يجاملونه ويسلحونه - ومع ذلك فليس هو الكارثة الوحيدة، لا في المنطقة ولا في العالم.
واختفاؤه من على سطح الأرض - سواء بفرض الموت السياسي أو الطبيعي عليه - لن يجلب نعمة السلام المنتظر لا على العرب ولا على اليهود (وذلك من وجهة نظر الشعوب لا الحكام). إن الكاتب نفسه قد تمنى اختفاء صدام، وما يزال يتمناه، فقد أمر باغتيال عدد من أعز أصدقائه، وقضى على الآلاف من أهله الأكراد بالغازات السامة، واضطر نحو مليون من أنبغ أبناء العراق - من شعراء ومفكرين وفنانين تشكيليين وكتاب قصة ومسرح - إلى الحياة في المنفى. ولكن الكاتب لم يكن ليوافق بضمير مستريح على أن يكون ثمن اختفائه هو هذا العدد الفلكي من الضحايا، لا سيما أن هذه التمثيلية الدامية لم تستطع أن تحل مشكلة واحدة من المشكلات التي تعاني منها شعوب المنطقة. أجل، لقد كانت الحقيقة هي أول ضحايا هذه الحرب المدبرة والمدمرة.
قيل بعد الهجوم البري لتحرير الكويت: كل شيء قد انتهى، لكن هل انتهى حقا؟ وما الذي انتهى بالضبط؟ وما الجدوى الآن من إثبات أن هذه الحرب كان من الممكن تجنبها، لا سيما أن الهجوم البري قد نفذ، على الرغم من إعلان العراق استعداده للانسحاب بلا قيد ولا شرط، وقبل ساعتين بالتحديد من موعد انعقاد مجلس الأمن، في الساعة الرابعة من اليوم نفسه؛ للنظر في حل المشكلة بالطرق السلمية؟ مع أن العالم كله قد سمع بأن الموضوع برمته يتم تحت إشراف المنظمة الدولية، وبتوجيه منها، ثم ما فائدة القول الآن بأن الأمر في هذه الحرب لم تكن له صلة لا بالقانون الدولي، ولا بالأخلاق، ولا بحقوق الإنسان، ولا بأمن المنطقة، ولا حتى بتحرير الكويت؟!
إن شرطي العالم والقوة رقم واحد فيه قد أعطى نفسه شيكا على بياض، كتب عليه رقم واحد، وأمامه ما شاء من أصفار يحصلها الآن - ومنذ عشر سنوات - من بترول أرض الخليج، ومن قوت أهاليه ومستقبلهم. وهو يقف في كل لحظة على أهبة الاستعداد؛ لشن حربه العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية على كل من يفكر من العالم الثالث أو الرابع أو الخامس، في مقاومته، أو الخروج على طاعته.
هي لعبة، أو تمثيلية، أو سيناريو ألفه - أو بالأحرى ألف له - وقام هو بتنفيذه كما اختار بنفسه أول ممثل يطأ بقدمه خشبة المسرح، وتولى بنفسه إسقاطه من عليها. والمهم في الأمر أن اللعبة ما تزال مستمرة، سواء بذلك الممثل الغبي الذي كان أول من سقط على الخشبة، أو بغيره. والأهم من ذلك أن الشرطي الأول - مع المؤلف الحقيقي لتمثيليته المتكررة - هو الذي يحدد مسار الحدث المسرحي، ويجمع حصيلة شباك التذاكر. والشعوب؟! يمكنها أن تصفق وأن تهتف، أن تضحك وتبكي أيضا. يمكنها كذلك، بل هي مضطرة أن تساهم في نفقات العرض بالتبرعات أو بتحمل أعباء ضرائب جديدة. أما التمثيلية نفسها فلا يجوز لها ولا لحكوماتها أن توقفها أو تغيرها؛ لأنه هو المتحكم الأول والأخير في تحديد توقيتها ومسارها، وأحداثها وشخصياتها.
Unknown page