وألقى زيتون نظرة على عروسه، دهشا من فتنة جمالها الأثيري؛ إذ كانت بشرتها مشرقة وضاءة، وعيناها يلوح فيهما الإرهاق. ثم سمع ما قالته: «الطفلة!» كانت بطبيعة الحال تريد الطفلة، فاستدار ليعطيها الطفلة، لكنه لم يجدها، لم تكن الطفلة تحت قدميه ولم تكن في الغرفة. لم تكن الطفلة بالغرفة!
وقالت كاثي: «أين هي؟!»
وشهق زيتون شهقة سريعة قائلا: «لا أدري!»
وصرخت بصوت عال: «أين الطفلة يا عبده؟!»
وأصدر زيتون صوتا، ما بين الشهقة والصرخة، وانطلق يجري خارجا من الغرفة، وأسرع نازلا الدرج فخرج من الباب الأمامي ورأى كرسي السيارة فوق الكلأ، كان قد نسي الطفلة في الفناء. نسي الطفلة في الفناء! كان كرسي السيارة يواجه الشارع. لم يلمح أولا وجه نديمة، فأمسك بالمقبض وأدار الكرسي الصغير تجاهه وعندما شاهد الوجه الضئيل للصغيرة التي لا تدري شيئا، مكورة ونائمة، ومسها بأصابعه لقياس حرارتها، ولكنها كانت على ما يرام.
وحمل كرسي السيارة إلى الطابق العلوي، وسلم نديمة إلى كاثي، وقبل أن يتيح لها الفرصة لتوبيخه، أو للتفكه مما حدث، أو طلب الطلاق، انطلق هابطا الدرج بسرعة وخرج يمشي وحده. كان يحتاج إلى السير وحيدا ذلك اليوم، بل احتاج إليه في أيام كثيرة تالية؛ حتى يفهم ما فعل ولماذا فعله، أي كيف نسي طفلته وهو يساعد زوجته؟! ما أصعب أن يقوم المرء بالأمرين، أي أن يكون شريكا لطرف وحاميا للطرف الآخر. ما سبيل الموازنة بينهما؟ وقضى سنوات طويلة يتأمل ذلك اللغز.
وأما اليوم، والجميع في المطبخ، فقد قرر زيتون ألا يتيح الفرصة لكاثي حتى تعيد رواية القصة من جديد أمام أطفالهما، فلوح بيده مودعا.
وتعلقت عائشة بساقه صائحة: «لا تخرج يا بابا!» كانت تحب الحركات المسرحية، وكانت كاثي تسميها «دراما راما»، وأدى فيلم «الكبرياء والهوى» إلى زيادة هذه النزعة سوءا.
كان ذهنه مشغولا بالعمل الذي ينتظره ذلك النهار، وكان يشعر بأنه قد تأخر في الخروج، ولما تتجاوز الساعة السابعة والنصف.
وألقى زيتون بصره على عائشة، وأمسك بوجهها بين كفيه، وابتسم لمرأى كمال الحسن في عينيها الدكناوين الدامعتين، ثم فصلها عن ساقه كأنما يخلع سروالا مبللا، ولم تمض ثوان معدودة حتى كان يقف في مدخل المنزل أمام الشاحنة، ويقوم بتحميلها بلوازمه.
Unknown page