ولم يبد أن والدة كاثي استوعبت ما سمعت، بل كانت تركز اهتمامها على الموظفة التي تمسك آلة التصوير، وهتفت صائحة: «لا تستطيعين إرغامها على خلعه! إنه حق من حقوقها الدستورية!»
واختفت المرأة أخيرا في مؤخرة المكتب، ثم عادت بعد أن حصلت على الإذن من رئيستها بتصوير كاثي بالحجاب، وعندما أومض ضوء التصوير حاولت كاثي الابتسام.
نشأت كاثي وترعرعت في باتون روج، وكان منزل الأسرة مزدحما، غاصا بالضوضاء وصور التناقض الصارخ، كان تسعة أطفال يشتركون في العيش في منزل من طابق واحد مساحته 155 مترا مربعا، وكان كل ثلاثة ينامون في غرفة واحدة ويتنازعون على استخدام حمام واحد، ولكنهم كانوا قانعين إلى الحد الذي يمكن توقعه في هذه الأحوال. وكان الحي يتميز بالنظام؛ إذ يحفل بالأطفال الذين أنجبهم العمال القاطنون فيه. وخلف منزل كاثي كانت تقع مدرسة شيروود الإعدادية، وهي مدرسة ضخمة، تلاميذها ينحدرون من سلالات عرقية متعددة، وكانت كاثي تشعر فيها بأنها مغلوبة على أمرها، كانت واحدة من حفنة التلاميذ ذوي البشرة البيضاء، فكان الآخرون يضطهدونها ويستأسدون عليها ويضحكون منها. وهكذا درجت على أن تتشاجر بسرعة، وتجادل بسرعة.
ولا بد أنها هربت من المنزل أكثر من عشر مرات، وربما أكثر كثيرا. وكانت في كل مرة تقريبا، ابتداء من سن السادسة أو نحوها، تهرع إلى منزل صديقتها يوكو. لم يكن ذلك المنزل يبعد إلا بمسافة عدة شوارع، ويقع في الجانب الآخر من المدرسة، ولما كانت هي ويوكو من بين الأقلية غير السوداء في الحي، نمت بينهما رابطة عدم الانتماء، كانت يوكو تعيش مع أمها كاميكو وحدهما في منزلهما بعد وفاة زوج كاميكو؛ إذ قتله سائق مخمور ويوكو لا تزال طفلة صغيرة. وعلى الرغم من أن يوكو كانت أكبر من كاثي بثلاث سنوات، فإن الاثنتين أصبحتا صديقتين لا تنفصلان، وكانت كاميكو شديدة الترحيب بكاثي والحدب على رفاهتها حتى غدت كاثي تدعوها «ماما».
ولم تستطع كاثي أن تعرف على وجه اليقين سبب احتضان كاميكو لها، ولكنها كانت تحرص على ألا تتشكك في ذلك. وكانت يوكو تتفكه قائلة إن أمها تريد الاقتراب من كاثي وحسب إلى الحد الذي يسمح لها بأن تحميها، والواقع أن كاثي لم تكن تستحم كثيرا في طفولتها، ولم يكن الاستحمام يتمتع بأولوية كبيرة في منزلها، ولذلك كلما زارت منزل يوكو، ملأت كاميكو البانيو لها. كانت كاميكو تتفكه مع يوكو قائلة: «تبدو بشرتها دهنية.» ولكنها كانت تود لها أن تبدو نظيفة، وكانت كاثي تتطلع بشوق لذلك؛ ليدي كاميكو وهي تغسل شعرها، وأظافرها الطويلة تدغدغ رقبتها، والدفء الذي تحس به حين تضع كاميكو الفوطة السميكة النظيفة فوق كتفيها.
وبعد المدرسة الثانوية، ازداد اقتراب كاثي ويوكو، وانتقلت كاثي للإقامة في شقة صغيرة تقع في شارع متفرع من طريق «إير لاين» الرئيس في باتون روج، وبدأتا العمل معا في محل لبيع الفطائر. كان الاستقلال يعني كل شيء لكاثي، وحتى في شقتهما الصغيرة في الشارع المطل على الطريق الرئيس الرابط بين الولايات، وبه ست حارات، كانت قد بدأت تعرف ما لم تعرفه من قبل قط، ألا وهو الإحساس بالنظام والهدوء في حياتها.
وكان من بين من اعتادوا التردد على المحل أختان من ماليزيا، وبدأت يوكو تحادثهما وتسألهما: ماذا يعني غطاء الرأس ذلك؟ ماذا يفعل المرء في الإسلام؟ هل يسمح الإسلام لك بقيادة السيارة؟ وكانت الأختان صريحتين، وتتكلمان بهدوء ، ولا تنزعان إلى الدعوة إلى الإسلام أبدا. ولم تكن كاثي تجهل أنهما أثرتا في يوكو تأثيرا عظيما، ولكن يوكو كانت كالمسحورة، فبدأت تقرأ عن الإسلام، وتفحص القرآن، وسرعان ما أحضرت الأختان الماليزيتان بعض الكتب والكتيبات إلى يوكو فاندفعت تتعمق.
وعندما أدركت كاثي كم كانت يوكو جادة في هذا الموضوع، شعرت كاثي بأنها على شفا الخبل، وشعرت بالحرج لموقف يوكو، فلقد نشأتا كلتاهما على الدين المسيحي، ودخلتا مدرسة ابتدائية تلتزم بالمسيحية بصرامة، وكاد صبر كاثي ينفد وهي تشهد صديقتها وهي تتشرب هذا الدين الغريب. وكانت تراعي مبادئ المسيحية ورعا وتقوي كخير ما تكون المراعاة، وكانت كاميكو نفسها تتفوق عليها في ذلك.
وسألتها: «ماذا عسى أمك أن ترى في ذلك؟»
وقالت يوكو: «حافظي على تفتح ذهنك وحسب. أرجوك!»
Unknown page