من ذخائر ابْن مَالك فِي اللُّغَة مَسْأَلَة من كَلَام الإِمَام ابْن مَالك فِي الِاشْتِقَاق
تَقْدِيم ودراسة وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق
الدكتور: مُحَمَّد الْمهْدي عبد الْحَيّ عمار
أستاذ مساعد فِي كُلية اللُّغَة الْعَرَبيَّة
فِي الجامعة الإسلامية بِالْمَدِينَةِ المنورة
مُقَدّمَة
الْحَمد لله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على إِمَام الْمُرْسلين وَخَاتم النَّبِيين سيدنَا وَنَبِينَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فَإِنَّهُ لجلى كل الْجلاء مَا لتحقيق المخطوطات ونفض الْغُبَار عَنْهَا وإخراجها من ظلمات المخازن من عَظِيم المزية وكبير الْفَائِدَة فِي خدمَة لُغَة الْقُرْآن ولسان السّنة.
وَلَقَد كَانَ ابْن مَالك من الْعلمَاء الأفذاذ الَّذين أثروا المكتبة الْعَرَبيَّة بمؤلفاتهم المفيدة فِي مُخْتَلف مجالاتها، وَقد حُقِّق بعض مؤلفاته ونشِر، وَلَكِن بَعْضهَا مَا زَالَ مخطوطًا ينْتَظر من يقوم بخدمته.
ورغبة مني فِي الْمُشَاركَة فِي خدمَة هَذَا التراث الْمُفِيد فقد قُمْت بتحقيق مَسْأَلَة لِابْنِ مَالك فِي الِاشْتِقَاق، وَلما كَانَت الْمَسْأَلَة المحققة مختصرة وخاصة بجزئية محدودة من الِاشْتِقَاق فقد مهدت لَهَا بِتَقْدِيم اشْتَمَل على أهم مسَائِل الِاشْتِقَاق؛ ليَكُون الْقَارئ لهَذِهِ الْمَسْأَلَة مستحضرًا لموضوع الِاشْتِقَاق؛ ليسهل عَلَيْهِ فهمها واستيعاب محتواها ومضمونها، وَقد سلكت فِي عَمَلي الخطة التالية:
أَولا: الاستفتاح.
ثَانِيًا: التَّقْدِيم وَقد ضمنته سَبْعَة مطَالب وَهِي:
الْمطلب الأول: فِي بَيَان فَائِدَة الِاشْتِقَاق وَقُوَّة الْحَاجة إِلَيْهِ.
الْمطلب الثَّانِي: فِي بَيَان جهود الْعلمَاء فِي الِاشْتِقَاق.
الْمطلب الثَّالِث: فِي تَعْرِيف الِاشْتِقَاق وَبَيَان أَنْوَاعه.
1 / 305
الْمطلب الرَّابِع: فِي الْخلاف فِي وُقُوع الِاشْتِقَاق والآراء فِي أصل المشتقات.
الْمطلب الْخَامِس: فِي بَيَان أَرْكَان الِاشْتِقَاق والأنواع الَّتِي لَا يدخلهَا.
الْمطلب السَّادِس: فِي المرجحات الَّتِي يُؤْخَذ بهَا عِنْد تردد الْكَلِمَة بَين أصلين.
الْمطلب السَّابِع: فِي التغييرات الَّتِي تحصل بَين الأَصْل الْمُشْتَقّ مِنْهُ وَالْفرع الْمُشْتَقّ.
ثَالِثا: الدراسة وَهِي قِسْمَانِ:
أ - دارسة المؤلِّف وَقد اختصرت الحَدِيث عَنهُ لشهرته وَقصرت كَلَامي عَنهُ فِي: نسبه: اسْم وكنيته ولقبه ونسبته، وتاريخ ميلاده ووفاته، وَذكرت عدد مصنفاته إِجْمَالا.
ب - دراسة الْمَسْأَلَة وَقد تَضَمَّنت: تَوْثِيق نسبتها، وَسبب وَضعهَا وَبَيَان أهميتها، وأتبعت ذَلِك بِوَصْف المخطوط.
رَابِعا: تَحْقِيق نَص الْمَسْأَلَة:
وَقد قُمْت فِيهِ بكتابتها وفْق الْقَوَاعِد الإملائية، وشرحت وَجه التَّمْثِيل من الْأَمْثِلَة وفسرت الْكَلِمَات الغريبة مَعَ تَوْثِيق ذَلِك كُله من مراجعه.
خَامِسًا: الفهرس:
هَذَا وَإِنِّي لِأَحْمَد الله الْعلي الْقَدِير على أَن مكنني من إنجاز هَذَا الْعَمَل الَّذِي مَا قصدت مِنْهُ إِلَّا وَجه الله ثمَّ خدمَة اللُّغَة الْعَرَبيَّة، فَإِن أكن قد وفقت فِيهِ فَذَلِك من فضل الله وجوده، وَإِن كَانَت الْأُخْرَى فحسبي أنني بذلت جهدي وَمَا بخلت بطاقتي، والتوفيق من الله. نَسْأَلهُ تَعَالَى أَن يوفقنا إِلَى مَا يُحِبهُ ويرضاه، وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله وَسلم على مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.
1 / 306
تمهيد
الْمطلب الأول فِي بَيَان فَائِدَة الِاشْتِقَاق وَقُوَّة الْحَاجة إِلَيْهِ
إنّ المتأمل فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَمَا يحصل فِي بعض كلماتها من تفريعات، وَمَا يتولّد مِنْهَا من أَلْفَاظ مُخْتَلفَة المبنى مُتَقَارِبَة الْمَعْنى ليدرك بوضوح قيمَة الِاشْتِقَاق، الَّذِي يُعَدُّ من أبرز الخصائص الَّتِي مَهَّدت للغة الضَّاد سُبُل التَّوَسُّع، ومكنتها من الْقُدْرَة على مواكبة التطور الحضاري، والتفاعل مَعَ وَاقع البيئة والمجتمع، فَهِيَ بواسطته تتجدد مَعَ كل طور من أطوار الْحَيَاة، مُزَوِّدَةً الْمُتَكَلّم بهَا بِكُل متطلبات عصره من الْأَلْفَاظ، والتراكيب الَّتِي تمكنه من التَّعْبِير عَن كل مَا يطْرَأ فِي حَيَاته السياسية، والاجتماعية، والفكرية، والاقتصادية، مَعَ الْحفاظ على الْأُصُول الأولى لتِلْك الْأَلْفَاظ وبسبب الِاشْتِقَاق ظلّ آخر هَذِه اللُّغَة يتَّصل بأولها فِي نَسِيج متقن، من غير أَن تذْهب معالمها، أَو يَنْبَهم مَا خَلَّفَه السّلف من تُراث على الأجيال بعدهمْ، فالاشتقاق يُسَهِّل إِيجَاد صِيغ جَدِيدَة من الجذور الْقَدِيمَة، بِحَسب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْإِنْسَان، فَعَن طَرِيقه يَسْتَطِيع الْعَرَبِيّ استبدال المصطلحات الْأَجْنَبِيَّة بِكَلِمَات عَرَبِيَّة فصيحة هِيَ أحسن تعبيرًا وأدق دلَالَة على مفهومها، وَذَلِكَ باستمدادها من الْأُصُول الْمُنَاسبَة المتمتعة بسمات الرسوخ والحيوية الدائمة١، وَقد اشتدت الْحَاجة إِلَى الِاشْتِقَاق فِي عصرنا الْحَاضِرَة عصر التقنيات والمخترعات الَّتِي نحتاج إِلَى تعريبها، وسبيلنا إِلَى ذَلِك هُوَ الِاشْتِقَاق.
وَقد كَانَ لمجمعي اللُّغَة الْعَرَبيَّة فِي الْقَاهِرَة ودمشق دور بارز فِي اشتقاق الْأَسْمَاء الْمُنَاسبَة لكثير من تِلْكَ المخترعات.
_________
١ تنظر الفصحى لُغَة الْقُرْآن ص١٢، ومقدمة مُحَقّق الْعلم الخفاق ص٧.
1 / 307
الْمطلب الثَّانِي جهود الْعلمَاء فِي الِاشْتِقَاق
لقد فطن الْعلمَاء مُنْذُ الْقدَم لفائدة الِاشْتِقَاق وأهميته واتضح لَهُم دوره البارز فِي إثراء اللُّغَة الْعَرَبيَّة بِمَا ينْتج عَنهُ من توليد للألفاظ والصيغ وربط بَين الْكَلِمَات ذَات الْحُرُوف المتجانسة والمعاني المتقاربة.
فَلذَلِك أولوه عناية فائقة، وَقَامُوا بدرسه وسطرت أقلامهم فِيهِ تراثًا عَظِيما وصلنا بعضه وسطت غير الزَّمَان على بعضه، فقد ذكر المؤرخون جمعا غفيرًا من الْمُتَقَدِّمين الَّذين كَانَت لَهُم جهود جبارَة فِي هَذَا الميدان، فَمنهمْ من أفرد لَهُ مؤلفات، وَمِنْهُم من جعل لَهُ فصولًا ضمن كتبهمْ.
وَقد ربط المحدثون الحاضرَ بالماضي فِي هَذَا المجال، فَقَامُوا هم أَيْضا ببحثه وتمحيصه، وأودعوا مرئياتهم فِيهِ كتبا مُسْتَقلَّة، وأبحاثًا ضمن مؤلفاتهم.
وَقد قَامَ الدكتور عبد السَّلَام هَارُون فِي تَقْدِيمه لكتاب الِاشْتِقَاق لِابْنِ دُرَيْد بحصر شَامِل لِجُلِّ مؤلفات الِاشْتِقَاق مَعَ ذكر أَسمَاء مؤلفيها من الْمُتَقَدِّمين والمحدثين، وَنقل عَنهُ ذَلِك الْحصْر نَذِير مُحَمَّد مكتبي فِي مقدمته لتحقيق الْعلم الخفاق من علم الِاشْتِقَاق، وَزَاد عَلَيْهِ بعض المؤلفات الَّتِي توصل إِلَيْهَا من خلال بَحثه فِي هَذَا المجال، وَكَذَلِكَ قَامَ بحصر أَكثر تِلْكَ المؤلفات الدكتور رَمَضَان عبد التواب فِي مقدمته لتحقيق اشتقاق الْأَسْمَاء للأصمعي.
وَفِيمَا يَلِي ثَبت بأسماء أَصْحَاب تِلْكَ المؤلفات كَمَا ذكرهَا أُولَئِكَ الْمُحَقِّقُونَ
1 / 308
مُضَاف إِلَيْهَا مَا وقفت عَلَيْهِ من المؤلفات الَّتِي فَاتَتْهُمْ فَلم ترد فِي كتبهمْ.
١ - أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن المستنير "قطرب" الْمُتَوفَّى سنة ٢٠٦هـ، لَهُ كتاب (الِاشْتِقَاق) ١.
٢ - أَبُو سعيد عبد الْملك بن قريب الْأَصْمَعِي الْمُتَوفَّى سنة ٢١٥هـ، لَهُ (اشتقاق الْأَسْمَاء) ٢.
٣ - أَبُو الْحسن سعيد بن مسْعدَة الْأَخْفَش الْأَوْسَط الْمُتَوفَّى سنة ٢١٥هـ لَهُ: (الِاشْتِقَاق) ٣.
٤ - أَبُو نصر أَحْمد بن حَاتِم الْبَاهِلِيّ ابْن أُخْت الْأَصْمَعِي الْمُتَوفَّى سنة ٢٣١هـ لَهُ: (اشتقاق الْأَسْمَاء) ٤.
٥ - أَبُو الْوَلِيد عبد الْملك بن قطن الْمهرِي القيرواني الْمُتَوفَّى سنة ٢٥٣هـ، لَهُ (اشتقاق الْأَسْمَاء مِمَّا لم يَأْتِ بِهِ قطرب) ٥.
٦ - أَبُو الْفضل أَحْمد بن طَاهِر طيفور الْمُتَوفَّى سنة ٢٨٠هـ. لَهُ (الْمُشْتَقّ) ٦.
٧ – أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد الْمُتَوفَّى سنة ٢٨٥هـ، لَهُ (الِاشْتِقَاق) ٧.
_________
١ ينظر مُعْجم الأدباء ١٩:٥٢ والمزهر ١/٣٥١، وَتَقْدِيم هَارُون ومقدمة كل من رَمَضَان عبد التواب ونذير مُحَمَّد مكتبي.
٢ ينظر المزهر ١/٣٥١، والبغية ٢/١١٣،وَقد طبع بتحقيق د/رَمَضَان عبد التواب ود/صَلَاح الدّين الْهَادِي سنة ١٤٠٠هـ مكتبة الخانجي.
٣ ينظر مُعْجم الأدباء ١١/٢٣٠، وبغية الوعاة ١/٥٩١، والمزهر ١/٣٥١ والمقدمات السَّابِقَة.
٤ تنظر طَبَقَات النَّحْوِيين ص ٢٥٠، والفهرست ٨٣، والمزهر ١/٣٥١ وَتَقْدِيم هَارُون ٢٨ ومقدمة رَمَضَان وَصَلَاح الدّين ٤٦ ومقدمة نَذِير مُحَمَّد مكتبي ص ٤٠.
٥ تنظر طَبَقَات النَّحْوِيين واللغويين ٢٥٠ والبغية ٢/١١٤ ومقدمة رَمَضَان وَصَلَاح الدّين ص ٤٧، ومقدمة مُحَمَّد نَذِير مكتبي ص ٤٠.
٦ تنظر الفهرست ٢١٥، والمقدمتان السابقتان فِي الصفحات نَفسهَا.
٧ تنظر الفهرست ص٨٨، ووفيات الْأَعْيَان ٤/٣١٣، والمزهر ١/٣٥١، وَتَقْدِيم هَارُون ٢٩، ومقدمة رَمَضَان وَصَلَاح الدّين ص٤٧، ومقدمة نَذِير مُحَمَّد مكتبي ص ٤٠.
1 / 309