235
تميمُ بنُ مُرٍّ وأشياعُها ... وكندةَ حولي جميعًا صُبُرْ
أفلا ترى أن الفاء الَّتي هي تردف قافية البيت الأول مكسورة والفاء الَّتي هي ردف قافية البيت مرفوعة فلو اتفقت هذه الأرداف كان أحسن لأن الحركة بالحركة أشبه من الحركة بالسكون وإذا اختلفت فالعيب في اختلافهما أيسر في اختلاف ما ذكرنا قبلها.
وأمَّا الإكفاء فمن العلماء من يقول هو اختلاف القوافي وذلك أبعد ممَّا قبله من الصواب وأولى بالترك والاجتناب لأن ما قبح اختلاف إعرابه تضاعف القبح في اختلاف ألفاظه، وأنشدتني الهمدانية أعرابية رأيتها بالبادية:
ألا ليت شعري عنك يا منتهى المُنى ... إذا بنتُ بالأعداءِ خُزرًا عُيونها
أترعَينَ لي عهدًا كما أنا حافظ ... لعَهدك أم خان الثُّريَّا رقيبُها
وقال آخر يصف الجراد:
أباح الحمى هندٌ إن نَفَلت به ... يمانيةً زُرق بَعيد مسيرُها
إذا ارتحلت عن منزل غادَرَت به ... رَدَايا نعاج بالتُّراب ظعينُها
وهذا هو مختلف القوافي لأن ياء القافية إنَّما هي الحرف الَّذي يلحقه الإعراب، فالإعراب ربما كان ياء وربما كان واوًا فلا تغترر بحرف تراه آخر البيت فربما بين القافية وبين آخر البيت حرف وربما كان من الشعر ما يحتاج قافية كل بيت منه إلى أربعة أحرف لوازم لا بد منها وإلاَّ لم يكن شعرًا، فمن ذلك قول لبيد:
عَفَت الدِّيار محلها فمقامها ... بمنًى تأبَّدَ غولها فرجامها
فالألف الَّتي قبل الميم ردف القافية والردف إذا كان ألفًا لم يصلح أن ينوب غيرها كما إذا كان الردف ياءً أو واوًا نابت عنها صاحبتها، والميم هي القافية لأن الإعراب يقع ولا بد من الألف الأخير وإلاَّ جاء بعض القوافي مذكرًا وبعضها مؤنثًا وبعضها مضمومًا وهذا لا يصلح بحال فكذلك لم يجز أن يكون في هذه الأبيات الَّتي ذكرناها ما يأتي قبل الهاء منه راء ولا يأتي قبلها منه ذال من قبل إن ما قيل الهاء هو حرف القافية ولا بد للشاعر من لزوم الميم، وقد جاء في الشعر ما هو أقبح من هذا كله فذلك أن هذه الأنواع الَّتي ذكرناها إنَّما هي عيوب يفهمها من يعلمها ويديرها والَّذي نحن إن شاء الله ذاكروه نفسه على عينة كل من سمعه:
قُبِّحتِ من سالفة ومن صُدُغْ ... كأنَّها كُشْيَةُ ضَبّ في صُقُعْ
وقال آخر:
يا رب جعد فيهم لو تدرين ... يضربُ ضَرب السّبط المقاديمِ
وبلغني عن الخليل بن أحمد أنَّه كان يسمي هذا إجازة وإذا صفح عن هؤلاء الفصحاء المطبوعين فما معنى إنكاره على من حدث من المتكلفين.
وبلغني أن رجلًا جاء إلى دعبل بن علي ليلًا فقال له: قد صنعتُ شعرًا لم يتقدمني فيه أحد إلاَّ النابغة وأمثاله ولا تحسنن أن تقول مثله قال هو فأنشده:
إنَّ ذا الحُبّ سَقم ... ليس يُنهيه القَرار
ونَجَا من كانَ لا يع ... شق من ذُل المخازي
قال دعبل: فقلت له ويحك قافية البيت الأول راء وقافية البيت الثاني زاي، قال: فقال لا تتعظ فيفطنوا، قال: فقلت له فالأول مرفوع القافية والثاني مخفوض القافية. قال: فقال لي انظر إلى حمقه أنا آمره لا ينقط وهو يشكل.
وأمَّا المزاحفة فمثل قول امرئ القيس الكندي:
وتَعرف فيه من أبيهِ شَمائلًا ... ومن خالِهِ ومن يَزيد ومن حُجُرْ
سماحةَ ذا وبرَّ ذا ووفاءَ ذا ... ونائلَ ذا إذا صَحَا وإذا سكرْ
وهذان البيتان يقول كثير من الرواة أن امرأ القيس لم يقل خيرًا منهما ولا قال أحد مثلها في معناهما، فأمَّا الأول منهما ففي المصراع الثاني فيه نقصان، وأمَّا البيت الثاني فمصراعاهما ناقصان. وقال زهير:
من الأكرمين منصبًا وضَريبةً ... إذا ما شَتَا تأوي إليه الأراملُ
إذا نهبُوا نهبًا يكونُ عَطاؤهُ ... صَفايا المَخاض والعِشارُ المطافِلُ
وقال زهير أيضًا:
مَتَى يشتجر قومٌ يقُلْ سَرَواتهم ... هُمُ بيننا فهُمُ رِضًا وهُمُ عدلُ
فرحتُ بما أخبرت عن نسبيكُما ... وكانا امرأينِ كلُّ شأنهما يعلو
وأمَّا الإقواء فزعم أبو عمرو انه اختلاف الإعراب في القوافي. قال النابغة الذبياني:
زَعم البوارح أن رحلتنا غدًا ... وبذاك خبرنا الغرابُ الأسودُ

1 / 235