أما الجواد فقد بلونا يومُهُ ... وكفى بيومٍ مخبرًا عن عامه
جارى الجياد فطار عن أوهامه ... سبقًا وكادَ يطيرُ عن أوهامه
جذلان تلطمه جوانب غرَّةٍ ... جاءت مجيءَ البدر عند تمامه
واسودَّ ثمَّ صَفَت لعيني ناظرٍ ... جنباتُهُ وأضاءَ في إظلامه
يختال في استعراضه ويكبُّ في ... استدباره ويشبُّ في استقدامه
فكأنَّ فارسَهُ وراء قذاله ... ردف فلست تراه من قُدَّامه
لانتْ معاطفه فخيّل أنَّه ... للخيزران مناشب بعظامه
وكأنَّ صهلته إذا استغلى بها ... رعدٌ تقعقع في ازدحام غمامه
الباب الثمانون
ذكر
الوحوش الَّتي تصاد والجوارح الَّتي تصطاد
قال امرؤ القيس:
وقد أغتدي والطَّير في وكراتها ... لغيثٍ من الوسميِّ رائده خالِ
تحاماه أطراف الرِّماح تحاميًا ... وجاد عليه كلَّ أسحم هطَّالِ
بعجلزةٍ قد أترز الغزو لحمَهَا ... كُميت كأنَّها هراوةُ منوالِ
ذعرتْ بها سربًا نقيًّا جلوده ... وأكرعه وشي البرود من الخالِ
فخرَّ لروقيه وأمضيتُ مقدمًا ... طوال القرى والرّوق أخنسُ ذيالِ
وعاديت منه بين ثور ونعجةٍ ... وكانَ عداء الوحش منِّي علَى بالِ
كأنِّي بفتخاء الجناحين لِقْوَةً ... طلوب من العقبان طأطأت شملالِ
كأنَّ قلوب الطَّير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العُنّاب والحشف البالي
وله أيضًا:
فعنَّ لنا سرب كأنَّ نعاجَهُ ... عذارى دُوار في مُلاءٍ مُذيَّلِ
فأدبرنَ كالجزع المفصَّل بينَهُ ... بجيد مُعَمٍّ في العشيرةِ مخوَل
فألحقه بالهاديات ودونه ... جواحرها في صرَّةٍ لم تزيَّلِ
فعادى عِداءً بين ثور ونعجةٍ ... دِراكًا ولم يُنضحْ بماء فيغسلِ
فظلَّ طهاة اللَّحم من بين مُنضجٍ ... صفيفٍ شِواءٍ أوْ قديرٍ معجَّلِ
ورُحنا يكاد الطَّرف يقصرُ دونه ... مَتَى ما ترقُّ العين فيه تَسَهَّلِ
فباتَ عليه سرجُهُ ولجامهُ ... وباتَ بعيني قائمًا غير مرسلِ
قال الأخطل:
هل تعرف اليوم من ماويَّةَ الطللا ... تحملت أنْسهُ منه وما احتملا
فما به غيرُ موشيّ أكارِعُهُ ... إذا أحسَّ بشخص نابئٍ مثلا
ما زالَ في حِقْفِ أرطاةٍ يلوذُ بها ... إذا أحسَّ مسيلًا تحته انتقلا
كأنَّما القطر مرجانٌ يُساقطه ... إذا علا الرَّوق والمتنين والكفلا
يُشلي سلوقيَّةً غضفًا إذا اندفعتْ ... حاكى جَديلةَ في الآثارِ أو ثُعلا
مُكَلبين إذا اصطادوا كأنَّهم ... يسقونها بدماءِ الأيِّد العَسَلا
فانصاعَ كالكوكب الدُّريّ جرَّدهُ ... غيث تقسّع عنه طالما هطلا
كأنَّهنَّ وقد سُربلنَ من عَلَقٍ ... يَغشينَ مُوقدَ نارٍ يقذفُ الشُّعلا
إذا أتاهنَّ مظلومٌ عكفنَ به ... عكف الفوارسِ خافوا الدَّارع البطلا
قال أبو البيداء الأعرابي:
مطوَّقةٍ كُسيتْ زينةً ... بدعوةِ نوحٍ لها إذ دعَا
فلم أرَ باكيةً مثلَها ... تُبكِّي ودمعتُها لا تُرى
أضلَّتْ فُريخًا فطافتْ به ... وقد علِقتهُ حبالُ الرَّدى
فلمَّا بدا اليأسُ منهُ بكتْ ... عليهِ وماذا يردُّ البُكا
وقدْ صادهُ ضرمٌ مُلجمٌ ... خفوقُ الجناحِ حثيثُ النَّجا
وحتَّ بمخلبهِ قارتًا ... على خطمهِ منْ دماءِ القطَا
فآنسن سربَ قطَا قاربٍ ... جبَى منهلٍ لم تهجه الدَّلى
وصعَّدَ في الجوِّ ثم اسْتدا ... رَ طار حثيثًا إذا ما انْصمى
يُبارينَ وردًا فلمْ يرعو ... ينَ على ما تذكرَ أو ما دنا
بهِ رفقةٌ من قطًا واردٍ ... وأُخرى صوادرَ عنهُ رِوا
فملأنَ أسقيةً لم تُشدْ ... بخرزٍ وقد شُدَّ منها العرَا
فأقعصَ منهنَّ كدريَّةً ... ومزَّقَ حيزومَها والحشَى
فطار وغادر أشباهها ... تطيرُ الحتوف بها والضّنا
قال أبو نواس:
سودُ المآقي صفرُ الحمالق ... كأنَّما يصْفرن في ملاعق
صرصرة الأقلام في المهارق ... غاديتها قبل الصَّباح الفائق
وقال أيضًا:
1 / 211