Zahirat Madd Wa Jazr Bihar
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Genres
في الواقع لم نعثر على محاولات التحكم بحركة المد والجزر عند الحضارات القديمة سوى عند الهنود. فقد ذكر لنا محمد بن مسعود بن علي بن أحمد بن المجاور البغدادي (توفي 690ه/1291م) طريقة خرافية كان الهنود يعتقدون بها للتخلص من المد، حيث قال: «وفي أجه وجميع أعمال الهند والسند إذا زرع أحد قصب السكر ينذر للصنم نذرا؛ إذا طلع قصبه جيدا فدي بإنسان، فإن صح قصبه احتال على بعض قصار الأعمال يذبحه ويرش بدمه أصول قصب السكر في يوم عيد لهم يسمى الديواني، وإذا زاد شط السند في الأخذ على المد والحد يؤخذ خشف غزال يجلل بثوب أحمر ويعطر ويبخر ويطلق في أغزر موضع وأقوى جريان في السيل وأشد سوار، فحينئذ ينقص الماء بإذن الله تعالى.»
17
وبعيدا عن الأساطير والخرافات؛ فإن أول استخدام موثق للتحكم بظاهرة المد والجزر في الهند يعود إلى عام 2450 قبل الميلاد، وقد أبلغ عنه في منطقة أحمد آباد الهندية، حيث بنى الهارابانيون
Harappans (تقع في باكستان حاليا) أحواض بناء سفن للمد والجزر، وأحواض مدية كبيرة على جانب الجدار مع مدخل ضيق للبحر، بحيث يمكن إغلاقها بواسطة بوابة السد. على الرغم من أنهم كانوا قادرين على بنائها واستخدامها، ومن ثم فهم مدى انتظام المد والجزر وإمكانية التنبؤ به، إلا أنه لا يوجد توثيق حول معرفتهم بالعلاقة بين المد والجزر والقمر والشمس.
18
ثانيا: العرب والمسلمون
ذكر لنا خمسة من الجغرافيين والمؤرخين العرب ملاحظاتهم لوجود مؤشرات ومقاييس كانت تستخدم في العراق لمراقبة حالة المد والجزر منذ القرن (4ه/10م). كما أنه كانت تتخذ إجراءات وقائية للحيلولة دون ضرر المد والجزر.
أبو إسحاق الإصطخري
أشار إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخري (توفي 346ه/957م) إلى اعتماد طريقة الخشبات كمقياس على ارتفاع المد في نهر دجلة، وقد خصص لها شخص يراقبها ويشعل النار بالليل ليحذر السفن. حيث قال: «بحر فارس وهو عريض البطن جدا في جنوبه بلدان الزنج وفي هذا البحر هوارات كثيرة ومعاطف صعبة ومن أشدها ما بين جنابة والبصرة فإنه مكان يسمى هور جنابة وهو مكان مخوف لا تكاد تسلم منه سفينة عند هيجان البحر، وبها مكان يعرف بالخشبات من عبادان على نحو من ستة أميال على جري ماء دجلة إلى البحر ويرق الماء حتى يخاف على السفن الكبار إن سلكته أن تجلس على أرض إلا في وقت المد. وبهذا الموضع خشبات منصوبة قد بني عليها مرقب يسكنه ناظور يوقد بالليل ليهتدى به ويعلم به المدخل إلى دجلة وهو مكان مخوف إذا ضلت السفينة فيه خيف انكسارها لرقة الماء.»
19
Unknown page