Zacim Thair Ahmad Curabi
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Genres
ورفع ظلامته من هذا القرار إلى الخديو إسماعيل، وظلت بين النظر والإهمال ثلاث سنوات، وقد توسط له بعض الخيرين فالتحق بوظيفة في دائرة الحلمية، وفي أثناء قيامه بهذه الوظيفة تزوج من كريمة مرضعة الأمير إلهامي باشا، وهي أخت حرم الخديو توفيق من الرضاعة، وتوصل بذلك إلى استصدار أمر من الخديو إسماعيل بالعفو عنه وإعادته إلى الجيش برتبته العسكرية، ولكنه حرم مرتبه مدة فصله. فتأصلت في نفسه روح الكراهية لرؤساء الجيش من الشراكسة والترك الذين كانوا سببا في تأخير ترقية الضباط المصريين، ومنهم عرابي ذاته، فقد ظل تسعة عشر عاما برتبة قائم مقام، وهي الرتبة التي نالها في عهد سعيد، وشهد عرابي محاباة الرؤساء لصغار الضباط الذين هم من أصل شركسي، ممن هم دونه مرتبة، حتى فاتوه في الرتب العسكرية لا لسبب سوى أنهم من مماليك أو أبناء مماليك العائلة الخديوية.
من ذلك الحين أخذ عرابي يبث في نفوس الضباط الوطنيين فكرة الاتحاد والمطالبة بحقوقهم ورفع الحيف عنهم، وكان للباقته وفصاحته في الكلام واستناده إلى بعض الأحاديث الشريفة النبوية والحكم المأثورة، تأثير كبير في نفوس الضباط اجتذبهم إليه ومال بهم إلى تلبية ندائه والاستماع لنصائحه والاقتناع بدعوته، ذكر محمود فهمي باشا أحد زعماء الثورة العرابية في هذا الصدد، أن عرابي دخل سنة 1875 أحد الآلايات المرابطة بناحية رشيد، فأخذ من ذلك الوقت في تأليف قلوب الضباط الوطنيين «أولاد العرب» - على حد تعبيره - وجمع كلمتهم على ولائه وإظهار الأسف لحرمانهم من الترقيات في حين أن الضباط الترك والشراكسة مغمورون بها.
فيمكن اعتبار سنة 1875 بدء دعوة عرابي الوطنية، وكان ذلك في عهد الخديو إسماعيل.
ولما تولى توفيق باشا مسند الخديوية رقى عرابي إلى رتبة أميرالاي في يونيو سنة 1879، وأصدر الخديو أمره بذلك وهو في الإسكندرية، فتوجه عرابي إلى سراي رأس التين وقدم للخديو شكره مقرونا بعبارات الإخلاص والولاء، فشمله الخديو برعايته، وجعله ضمن ياورانه، وعينه أميرالاي لآلاي المشاة الرابع الذي كان مركزه بالقاهرة، ويعرف بآلاي العباسية، وظل يشغل هذا المنصب حتى شبوب الثورة سنة 1881. (1-3) أسباب الثورة
توصف ثورة عرابي بأنها ثورة عسكرية، وهذا صحيح لا مراء فيه، إذا لاحظنا أن زعيمها والقائمين بها هم من ضباط الجيش، وأنها قامت وتحركت وفازت وقتا ما بقوة الجيش، ثم انتهت بهزيمته.
ولكن مما لا ريب فيه كذلك أنها ليست ثورة عسكرية فحسب، بل هي أيضا ثورة قومية اشتركت فيها طبقات الأمة كافة، وإذا أردنا أن نستقصي أسبابها وجدناها على نوعين: أسباب خاصة مباشرة، وهي المرتبطة بطبقة الضباط والجند وموقفهم من الحكومة وموقف الحكومة منهم. وأسباب عامة، وهي التي تتصل بحالة الشعب والعوامل التي دفعته إلى مناصرة الثورة وتأييدها. وإذ كانت الأسباب الخاصة أقوى أثرا في ظهورها وتطورها، فلنبدأ بالكلام عنها ...
الأسباب المباشرة
ترجع هذه الأسباب إلى تذمر الضباط الوطنيين من سوء معاملة رؤسائهم، وخاصة عثمان رفقي وزير الحربية في عهد وزارة رياض باشا التي شبت الثورة في عهدها.
كان عثمان رفقي قائدا شركسيا متعصبا لجنسه، يتحيز للضباط الذين هم من أصل شركسي أو تركي أو أرناءودي، ويعمل على جمع زمام السلطة في أيديهم، ويؤثرهم في الترقيات والتعيينات على الوطنيين الذين كان ينظر إليهم بعين الزراية والبغض.
وكان عثمان رفقي من ناحية الكفاية جاهلا، قليل الإدراك والذكاء، عديم المواهب، قليل النظر في العواقب، يمثل طبقة الرؤساء العسكريين المنحدرين من سلالة الترك والشراكسة الذين كانت لهم رياسة الجيش في عهد إسماعيل وأوائل عهد توفيق. ولم يكن الضباط الوطنيون يجدون منهم في الجملة إنصافا ولا مساواة ولا معاملة حسنة، ولو أن إسماعيل درج على سنة سعيد في تشجيعه المصريين وترقيتهم في المناصب العسكرية، لسادت روح المساواة في الجيش، ولما هيأ أمثال عثمان رفقي السبيل إلى الفتنة.
Unknown page