إنه يطالب بالزفاف في أقرب فرصة ولا أجد عذرا للتأجيل. وتقرر إقامة الاحتفال بفيلا جولستان هانم وتعذر على أبي الحضور. كان حفلا صامتا، ولكنه ثري بالبوفيه الممتاز وبمن شهده من كبار موظفي الشركة ونخبة من رجال الأعمال. وضعت على وجهي قناع سعادة لا ريب فيه، والحق أني دعوت لنفسي طويلا بالتوفيق وصممت عليه، وكانت ورائي رغبة صادقة في التفاهم والتكيف مع حياتي الجديدة. أخوف ما خفت أن أرى علوان بين المدعوين، ولكنه لم يوجد. وقلبي وإن خلا من الميل فإنه لم يتكدر بالنفور. ترى لو كان علوان هو عريس الليلة، فماذا كان سيفعل؟ عشت عمري لا أتصور أنه يمكن أن أهب نفسي لسواه. ها هو الواقع يفرض قرارا آخر. حسبي أنني أشعر بأن أنور يمكن أن يحب ذات يوم، في هذا الكفاية. ولم تنقطع وفود المهنئين في الأيام التالية وخاصة من أهلي، ولكن ما شأن هؤلاء الرجال؟ يجيئون حاملين الهدايا، نرحب بهم معا، تقدم لهم الخمور، ليلة بعد أخرى لا ينقطع تيارهم الغث ومنهم مواظبون. ولما أرهقتني الوجوه الثابتة، والمجاملة المبذولة من ناحيتي عن تأفف عميق، قلت له: ما أكثر أصدقاءك من رجال الأعمال!
فقال لي بصراحة لافتة للنظر: إنهم في الحقيقة مستقبلنا.
فتساءلت في حيرة: ماذا تعني؟ - وظيفة مثل وظيفتي لا قيمة لها إلا في نظر موظف ناشئ، مستقبلنا الحقيقي في القطاع الخاص، في المغامرة الذكية التي ترفع الشخص من طبقة إلى طبقة، فلا تقصري في الاحتفاء بهم.
إذن فهي زيارات عمل! لم أرتح لذلك، وقلت: إنك أفهمتني أنك واثق من نفسك من الناحية المالية.
فقال بصراحة مكشوفة: عن هذا السبيل وحده، عدا ذلك فلا أمان لأحد في هذا الموج
نسجت الكآبة حولي غشاء محكما، فقال بحماس: إذا لم يكون الإنسان ثروة خيالية في هذه الظروف فلا بارك الله فيه. - ألا يكفي ما يوفر لنا معيشة مريحة؟ - مريحة؟! .. نحن في سباق يا محبوبة لا رحمة فيه.
ها هو شخص جديد يبرز لي من وراء الشخص الآخر، وبعجلة مذهلة، لا يطيق الصبر ولا يصبر على التدرج، ولا يعمل حسابا لأثر رد الفعل في نفسي. إنه يقول لي بكل بساطة إليك ذاتي بلا قناع ولا لف ولا دوران، فما رأيك؟! إنه لا يرى في هذه الدنيا إلا طموحه ولا يحفل إلا به، يسدي إليه صلاته مائة مرة في اليوم، وكأنما لا وجود لي إلا من خلال الدور الذي يمكن أن ألعبه في مخططه المترامي. حتى التمثيل الكاذب لا يتقنه أو لا يبالي به. إنه مفاجأة، ومفاجأة صاعقة قذفها السيل من عل، ولا وجود للحب إلا في لحظته، وسرعان ما شعرت بخيبة أمل لا عزاء فيها، وأنني بعت نفسي بلا مقابل، أو أن الحال أسوأ من ذلك. وإنني أخجل من إعلان خيبتي، كنت أتوهم أنني على الأقل غاية فإذا بي وسيلة لا قيمة لها إلا بما تؤديه. وظيفتي هنا أن أجامل وأسامر وأقدم الشراب. ولم يقنع بذلك كله، فأخبرني أنه لا يستطيع أن يؤجل أعماله المسائية أكثر من ذلك، وأنه سيعهد إلي وحدي بمهمة الضيافة والاستقبال. قال ضاحكا: إنها امتداد لعملك في العلاقات العامة.
فقلت معترضة: ولكن لا شيء مشتركا بيني وبينهم. - لا أهمية لذلك، حسبك أنك لبقة وذكية ومثقفة، ونحن شريكان، والشريك ينوب عن شريكه خاصة فيما يعود عليهما في النهاية بالخير.
فقلت بحدة، أول حدة تنتاب شهر العسل في إبانه: لغة سوق ما تصورت أنني سأتعامل معها!
فقال باسما: خير البر عاجله.
Unknown page