Yasqut Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Genres
والقول بأن العربية لغة «توقيفية» أي منزلة من السماء، وبالتالي فهي لغة مقدسة لا يجوز المساس بها، هو قول يناقض في رأيي صحيح الدين الإسلامي؛ فلو كانت العربية مقدسة وتسمو فوق كل لغات العالم لكان العرب قادرين من خلال استخدام هذه اللغة على البلوغ إلى ما بلغه القرآن من إعجاز. فالعرب في عصر الدعوة كانوا متمكنين من العربية تمكنا مدهشا، وكان بينهم ملوك البلاغة والبيان من فطاحل الشعراء والرواة، وقد تحداهم القرآن في أكثر من آية أن يأتوا بآية واحدة مشابهة لكلام الله فعجزوا عن ذلك.
فقال تعالى:
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله (البقرة: 22).
أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله (يونس: 38).
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله (هود: 13).
ولو كانت العربية مقدسة فما الذي أعجزهم؟ لو كانت اللغة مقدسة وهابطة من السماء لكان الإعجاز في ذاتها، ولكان العرب قادرين بالتالي على الإتيان بمثل ما جاء بالقرآن، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا؛ فالإعجاز إذا في القرآن وليس في اللغة.
وقد وقعت معجزات ذكرها القرآن من أهمها قصة عصا موسى، التي التهمت ما جاء به سحرة فرعون. فهل يمكن أن نعتبر عصا موسى مقدسة، وأن كل عصا في الدنيا تنسحب عليها صفة القداسة؟ بالتأكيد لا، فعصا موسى كانت مجرد أداة لمعجزة أرادها الخالق، لكن المعجزة ليست في ذاتها، كذلك فقد كانت العربية أداة لمعجزة القرآن.
وقد أدرك العرب منذ البداية أن القرآن، وإن كان بالعربية، إلا أنه ليس من لغتهم. وكانوا يقولون: ليس بنثر وليس بشعر. وقال أنيس الغفاري وهو شقيق أبو ذر: عرضت القرآن على السجع والشعر والنظم والنثر، فلم يوافق شيئا من طرق كلام العرب.
هذا مع أن القرآن استخدم المفردات المعروفة لأي عربي في البادية آنذاك، وكان مفهوما تماما للجميع، لكنه جاء بشيء غير موجود في اللغة ولم يستطع أحد تقليده وقتها أو بعد ذلك.
وكل هذا يؤكد لنا أن الإعجاز ليس في اللغة العربية وإنما في القرآن وحده، فكيف نقول إن العربية لغة مقدسة؟ ومحاولة إحلال الإعجاز القرآني في اللغة التي نزل بها هو خلط لا يسانده المنطق ولا صحيح فهم الدين. لقد نزل الدين الإسلامي لكل البشر في كل مكان وزمان، وكان من الممكن أن يتنزل بالتالي بلغة غير العربية، وكان إعجازه عندئذ سينبع من ذاته وليس من اللغة التي نزل بها.
Unknown page