Yāqūtat al-ghiyāṣa al-jāmiʿa li-maʿānī al-khulāṣa
ياقوتة الغياصة الجامعة لمعاني الخلاصة
Genres
الوجه الثاني: أنه لو حدث لعلة معدومة لوجب حدوثه دفعة واحدة، وفي علمنا لحصول الحوادث أشياء فتسما دلالة على خلاف ذلك، وهذا الوجه يكون روحها أيضا في أن العالم لم يحدث لنفسه على وجه الإيجاب، ولا يجوز أن يكون المؤثر فيه علة قديمة لوجوه:
الوجه الأول: أنه كان يلزم قدمه وقد دللنا على حدوثه.
الوجه الثاني: إن كان يلزم وجوده دفعة واحدة؛ لأن العلة تؤثر على سبيل الإيجاب، والمعلوم خلاف ذلك فإن اتخاذ الأسباب في ابتداء خلقه قد يكون نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظاما، ثم جنينا، ثم طفلا، ثم شابا، ثم كهلا، وكذا البقلة قد تكون بقلة، ثم قصبة، ثم سنبلة، فعلمنا أنها لم توجد دفعة واحدة.
الوجه الثالث: إن كان يلزم أن يكون العالم بصفة واحدة من هواء أو ماء أو نار أو طين ومن جماد [100ب] أو حيوان وفي علمنا باختلاف ضروب الموجودات من الجمادات والحيوانات وما سبيل عليها كل واحد منها من الأصناف المختلفة مع حصول الموجب معها على سواء دلالة على أنه لا بد من فاعل مختار، فإن قالوا إنها إنما اختلفت لأنها صدرت عن موجبات كثيرة مختلفة.
قلنا: إن هيولا مدة هذه الأشياء المختلفة عندكم متفقة، وإنما اختلفت صورها فلم تختص لبعضها ما يوجب كونها هواء بالبعض الآخر ما يوجب كونه ما أولى من العكس، فإن قالوا معترض على الوجه الأول وإنما لم توجد في الأول لعدم شرط أو حصول مانع، قلنا هذا الشرط لا يخلو إما أن يكون قديما أو محدثا.
إن كان قديما لزم قدم العالم لحصول الموجب، والشرط فإن كان محدثا افتقر في حدوثه إلى أمر كالعالم، وذلك الأمر إما موجب أو مختارا، فإن كان مختارا فقد قروا بالصانع المختار واستغنينا عن الدلالة عليه وعلقنا الحوادث به، وإن كان موجبا فهل هو قديم أو محدث وإذا كان قديما فهذا وجه شرط أو لا شرط وتعود القسمة من أصلها ويتسلسل ويلزم قدم العالم بأن ينتهي إلى موجب قديم أوجب من غير شرط أو شرط قديم.
Page 204