الثالث: أنه كان يلزم أن لا يخرج الجسم عن الجهة التي هو كائن فيها؛ لأنها صفة ذاتية، وخروج الموصوف عن صفة ذاتية لا يجوز، وكان يلزم أن لا تجوز خروج الجسم عن الجهة التي هو فيها، وإن سلمنا جواز خروجه عنها بقهر قاهر أن يعود إليها عند بطلان القهر، والمعلوم خلاف ذلك، ولا يجوز أن تكون كائنة فيما لم يزل لعلة؛ لأنه لا يخلو إما أن تكون الأجسام كلها كائنة في الجهات لعلة واحدة، أو تكون لكل واحدة منها علة، فإن كانت العلة لزم أن تكون الأجسام في جهة واحدة؛ لأنه ليس بأن يوجب لهذا الجسم كونه في هذه الجهة أولى من أن يوجب لسائر الأجسام [78ب] كونها فيها؛ لأن هذه العلة مع الأجسام على سواء، وإن كانت العلل كبيرة لم يصح أيضا؛ لأنه لا اختصاص لبعض العلل ببعض الأجسام دون بعض، فلم تكن العلة المختصة بهذه الجهة بأن يختص بهذا الجسم أولى من غيره من الأجسام، فالكلام في اختصاص بعض العلل ببعض الأجسام كالكلام في اختصاص بعض الأجسام ببعض الجهات دون بعض، فلم يكن بد من فعل تخصص بعض الأجسام ببعض الجهات، والبعض بالبعض الآخر بواسطة إيجاد الأكوان عند من يثبت الأكوان، أو بغير واسطة كما يقول من ينفي الأكوان ويثبت كونه كائنا بالفاعل وفي ذلك بطلان كونها كائنة، أو بغير واسطة كما يقول من ينفي الأكوان فيما لم يزل، وإذا بطل كونها كائنة فيما لم تزل بطل فهدمها.
الدليل الثاني: وهو ماذكره الشيخ (رحمه الله) وهو الدليل المشهور، وقيل: إن أول من استدل به أبو الهذيل (رحمه الله) وهو أن يقول إن هذه الأجسام لم تخل من هذه الأعراض المحدثة ولم يتقدمها، وما لم يخل من هذه الأحداث ولم يتقدمه فهو محدث مثله، ولك في هذا الدليل تحريران:
Page 152