342

وأنهضه إليها سنة إحدى وأربعمائة. فانحدر إلى هراة، وجبى من الأموال ما درت أخلافه، ولانت على المس أعطافه. ولم يلبث إلا يسيرا حتى حمل حملا كثيرا، والوزير أبو العباس بعد في صدر الوزارة، والشيخ الجليل أبو القاسم يسعى بينه وبين السلطان على سبيل السفارة، يروم انتصاحه إياه «7» كي ينسد به مكانه، ويستند إلى عرض الاستقامة شأنه، وهو يأبى سوى اللجاج في إلقاء القول عن حدة المزاج، حكما من الله تعالى لم يسع رده، وقضاء سابقا أعيا العالمين صده. وما زالت هذه حاله لزوما للصدر، على ما به من ضعة القدر، إلى أن ركب بنفسه إلى قلعة غزنة مستروحا بزعمه إلى الاعتقال عما تولاه، ومتسمحا بجملة ما حواه واقتناه، فلم يسمع بمثله رجلا يشتري الحبس اختيارا، ويستقبل صرف الزمان بدارا. وغاظ السلطان ما أتاه، فاستبذله الخط بغرامة ما جناه على أمواله ورعاياه «1»، فبذل خطه بمائة ألف دينار. ثم لم يزل يستدر «2» إلى أن عرض حال الفاقة «3»، وعدم الطاقة. ثم استحلفه السلطان بحياة رأسه على ظاهر إفلاسه، [194 أ] وعلى إغلاق «4» دمه إن وجد له على الطلب مال مفرقا ومجمعا، ومدفونا ومستودعا. وبقي على جملته «5» ينتابه أولاده معفى عن الإرهاق والتعنيف، مصونا عن التحامل والتكليف، إلى أن ظهر على ما ذكر له مال عند بعض التجار ببلخ وديعة فأخذوه، وأمر بوضع الدهق عليه لا ستصفائه، واستخراج ما وقاه بنفسه وذمائه، وما بقي من رمق جاهه ومائه.

واتفقت للسلطان غزوة حالت بينه وبين مشاهدة حاله، واستبراء ما يصدق أو يكذب من مقاله، والدهق يستمر به على الدوام، وينال منه يوما بيوم، حتى أتاه أجله، وحاق به ما كان يستعجله، وذلك في سنة أربع وأربعمائة.

ولما عاد السلطان وراءه، ساءه ما سمع فيه، وهيهات أين من المساءة روح مطموسة، ونفس بين أطباق الثرى مرموسة؟! كذلك من آثر «6» المخلوق «7» على الخالق، ولم يعتبر بالماضين في الزمن السابق.

Page 356