ثم إن طوائف من نجوم الفتنة، ورجوم الشر والعصبية، أبطرتهم رفاهة العيش، ورفاعة الأمن، وفسحة الحال، وسعة المجال، فتحدثوا بينهم بتقديم من يضمهم على العصيان، ويؤمهم في الخروج على السلطان، تعرضا للبلاء، وتحككا «6» بالشقاء، واجتراء على سوء القضاء. فأبرزوا صفحة الخلاف، واخترطوا نصل الشر من الغلاف. فلما رأى السلطان انتقاض سجستان على «1» خلفائه وأمنائه، بادر إليها في عشرة آلاف رجل من نخب العسكر، ومعه صاحب الجيش أبو المظفر نصر بن ناصر الدين، والتونتاش الحاجب، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم الطائي زعيم العرب، وحصر المردة العتاة في حصار أرك، ووكل خيول عسكره بجوانب الأسوار، وقسم «2» بينهم محال ذلك الحصار.
ونشبت الحرب بعد العصر من يوم الجمعة للنصف «3» من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة.
وخاض السجزية «4» غمرتها ساعة متوازرين على المدافعة، ومتضافرين على الممانعة والمقارعة، حتى إذا أوهنهم السلاح، وأثخنتهم الجراح، لاذوا بالانجحار «5»، [112 أ] والاعتصار بسور الحصار. وظهر أولياء السلطان على بعض جوانب السور، في ظلمة الديجور، فتنادوا بشعار الملك المنصور. فانهزم الفجار، وملك عليهم الحصار، وبسطت أيدي القتل والضرب على من نفضتهم الدور، ولفظتم المساكن والقصور «6»، فمن رؤوس منبوذة «7»، وأعناق مجذوذة «8»، ووجوه مكبوبة «9»، ودماء على الأرض مصبوبة.
Page 224