ومانع أصحاب خلف بن أحمد من شرفات الحصار، بقذافات «4» الأحجار. واشتعلت الحرب بينهم ترمي بشرر كالقصر «5». وتنحي على القصرات «6» بالفرس «7» [117 أ] والقسر. وزحف «8» الفيل العظيم إلى باب الحصار، فاقتلعه بنابيه، وزخ به في الهواء، فانحط إلى الأرض من حالق، وقتل من أصحاب خلف الجم الغفير، ولجأ الباقون على أطراف الحاجز، إلى السور الداخل. وذمر عسكر السلطان على الحصار. وتماسك أصحاب خلف فوق شرفات السور «9» الآخر مناضلين عنها بأحجار المجانيق، وأطراف الحراب والمزاريق. واطلع خلف بن أحمد عند اشتداد الخطب على ملتقى الفريقين، فرأى هول المطلع، ورأى تموج الفضاء بعفاريت الأنجاد، على شياطين الجياد. وتطاير النبال كرجل الجراد «10»، وترامي الحراب كعزالي السحاب، وفيح «11» الدماء كسيح السماء. وعاين «1» الفيل قد أهوى إلى بعض أصحابه بخرطومه، فرمى به في الهواء قاب رمحين، ثم تلقاه بنابيه، وأقبل على «2» الآخرين «3» يدوسهم بمنسميه، ثم أنحى على الباب بمنكبيه، فزعزعه بعضادتيه، واقتلعه بضباب «4» الحديد عليه «5»، فاستطار عند ذلك قلبه، وجاش وارتاع روعه، واضطره هول المقام، وفزع الاصطلام إلى طلب الأمان، واستغاثة السلطان، فكف عنه يد الإحراج، ووضع عنه سوط الانتقام، كرما غذاه [117 ب] الله بدره، وأطربه بنشوة خمره.
وأقبل خلف بن أحمد على بذله الجائزة «6»، حتى استؤذن له على السلطان، فدخل وأهوى إلى الأرض بشيبته البيضاء، متعززا بذل الخدمة. وغشى البساط من سبح الجواهر والفرائد، بما كسف النهار وخطف الأبصار، نثارا ينوب عنه في شكر ما أذاقه من برد العفو والرحمة، وحماه من حريم الروح والمهجة. فتكرم السلطان بالرفع من قدره، وضم يده عند التقريب إلى صدره، تناسيا لما سبق من هناته، وتغابيا عما أقدم من ذحوله وتراته، وحكمه في احتمال ما أحب من زبد «7» يساره «8»، وذخائر حصاره، وخيره في المقام حيث شاء من ديار ممالكه وأمصاره. فاختار أرض الجوزجان، استرواحا إلى نسيم هوائها، واستعذابا لنمير مائها، واتساعا في مراتع الصيود حول أرجائها. وأمر السلطان بتسييره إليها في هيئة ذوي الهيبة، معافى بلباس «9» الصيانة عن عورة المهانة. فأقام بها قرابة أربع سنين في ظل الترفيه، وساعدته القناعة بما هو فيه.
Page 216