ثم سنح للأمير ناصر الدولة سبكتكين أن ينقلب إلى هراة لمطالعة ما كان برسمه، فسار وأقام سيف الدولة بنيسابور على «1» قيادة الجيوش وزعامة الجمهور.
وقد كان أبو علي طمح إلى زيادة من المال تحمل إليه [معونة له] «2» على إقامات [الحشم من] «3» أهل عسكره من الري، فكتب إليه أبو نصر الحاجب بأني قد عرضت الكتاب وقررت المراد. فكان من جواب فخر الدولة: إن مثل الملوك مثل الأنهار العظام تصطفق «4» مياهها، وتزخر شعابها، فيرى الناس ملتقى عبابها، ومصطفق أمواجها، ويغفلون عن عدد الجداول التي تغترف منها، والسواقي التي تتشعب «5» عنها. ولو أنا [60 أ] قدرنا على مؤن خراسان لا ستضفناها إلى ما نليه من سرة الأرض وواسطة الأقاليم، لكنا قد سمحنا بما تيسر، والعذر ظاهر فيما تعذر.
فاستوحش أبو علي من جوابه، واستشار فائقا ووجوه قواده في تدبير الأمر بصوابه، وإتيانه من بابه. فاختلفت آراؤهم بحسب اجتهادهم في المشورة، ورؤيتهم في استشفاف العواقب المستورة، فأشار بعضهم بلزوم جرجان واستخلاصها، وإقامة الخطبة للرضا بها، والكتاب إليه بالطاعة، وضمان الإتاوة، إذ كانت تلك ولاية قد أعيت صيد الملوك وصناديد القروم على خطبتهم لها ببهم العساكر، وطلابهم إياها بسمر الرماح وبيض البواتر، وأذالتهم «6» عليها مصونات «7» الرغائب، وتغريرهم فيها بكريمات النفوس والحرائب.
Page 115