Yahudiyya Fi Caqida Wa Tarikh
اليهودية في العقيدة والتاريخ
Genres
نشوء العقيدة الدينية
قصة الخلق
قصة الطوفان
برج بابل
نشوء العقيدة الدينية
قصة الخلق
قصة الطوفان
برج بابل
اليهودية في العقيدة والتاريخ
اليهودية في العقيدة والتاريخ
Unknown page
تأليف
عصام الدين حفني ناصف
نشوء العقيدة الدينية
(1) حيرة الإنسان البدائي
جاوز الإنسان البدائي أولى مراحل تطوره، وسار فيه شوطا آخر نمت خلاله مقدرته على التفكير والتعبير، فجعل يرقب ما بين يديه من ظواهر الطبيعة. وقد انتشر عليه رأيه من جراء ما يعتور هذه الظواهر من تغيرات راتبة دورية أو عنيفة فجائية، فجعل يسائل نفسه عن مولد اليوم ومماته: كيف ينتشر ضوء الفجر بعد السحر اللجيني ثم يمتد الصبح حتى يصير نهارا بينا ويرتفع الضحى وتحم الظهيرة، ثم يأخذ صهدان الشمس يفتر رويدا رويدا حتى المغيب فيبين الشفق العسجدي؟ وهذا القمر يتسق بدرا ثم لا ينفك يتضاءل أمام ناظريه حتى يستخفي محاقا؟ وهذه النجوم الزاهرة المنتثرة، والشهب المندثرة، والكسوف والخسوف؟ وهذه الفصول الأربعة تتخالف ألوانها وتتميز خصائصها؟ وهذه السحب المدفوعة وما تسحه من أمطار؟ وقوس قزح، تلك التي تتراءى في اليوم المطير؟ وهذا السيل الجارف والجدول المنساب يترقرق ماؤه زلالا، والبركة الساجية لا يغشى الموج صفحتها، فهي تعكس طلعة الناظر الدهش، وهذا البحر لا يدرك الطرف مداه، والمد والجزر؟
وهذه الأزهار ذات الأرج المنعش، والغابات الكثيفة تصوت فيها فيرتد إليك رجع الصدى؟ والريح العصوف تقتلع الأشجار وتقلقل الأحجار، وجلمود الصخر يحطه السيل من عل؟ والبروق الملعلعة والرعود المدوية يصم هزيمها الأسماع؟ وهذه الجبال المكللة قللها بالجليد الناصع تندلع من فوهاتها ألسنة النيران؟ كل شيء من ذلك يبدو له وكأنما تضطرب فيه قوى وتأثيرات هي وإن لم تدركها الحواس حقائق ماثلة.
وبعد هذا كله أعجوبة الولادة وغموض سر الموت؟ ورؤى المنام؟ يرى البدائي إذا غشيه النعاس أنه يجول ويصول في غابته المحبوبة ويصرع حيوانا مكتنزا فيمتلئ شبعا وريا من لحمه الشهي، ثم يهب من نومه فإذا هو لم يزل، حيث رقد، يتضور من أوار العطش وسعار الجوع.
كانت تلك كلها أمورا غامضة تخفى عليه؛ فقد استترت عنه طبائع الأشياء، واستبهمت لديه الأسباب والنتائج، ولم يتوافر له من العلم ما يصل به بين العلة والمعلول في عالم المنظور.
وأهل جزائر ماليزيا يدعون القوة الغامضة غير الشخصية «مانا»
Mana ، فإذا وفق امرؤ في القتال، فإنما يرجع الفضل في تفوقه إلى «مانا» روح أحد الموتى الشجعان، وإذا أصاب امرؤ نجاحا مرموقا في زراعته أو في تربية ماشيته، فذلك أيضا من المانا الكامنة في بعض الأحجار أو في التمائم المناطة بعنقه أو في خصلة أوراق النبات التي يزين بها حزامه. ويتحدث أهل مراكش عن «البركة» فهناك أشياء: آبار وينابيع ومغارات لها خاصة تبث الخصب في الأرض أو تهب لورادها وحجاجها البرء من الأسقام. وقد كان سلاطين مراكش يمنون على رعاياهم ببركتهم. وكان الإنجليز إلى عهد قريب يعزون إلى ملوكهم قوة سحرية؛ فهم يستطيعون بلمسة اليد أن يبرءوا المصابين بالداء الخنزيري المسمى داء الملوك،
Unknown page
1
وما زال الفلاحون في البلدان الكاثوليكية كإيطاليا وبعض أقاليم فرنسا يؤمنون بأن للقساوسة سلطانا على الرياح والأمطار والفيضانات والأوبئة والحرائق، وبأن للبابا مقدرة غامضة على غفران الخطايا والآثام وعلى إصدار المنشورات المعصومة والتشفع إلى الله. والناس أشد تعلقا بأذيال الأباطيل والترهات حيث الطبيعة صاخبة والحياة غير مستقرة تفتقر إلى أسباب الأمن والطمأنينة؛ ومن ثم كان أقل تغير عن الحالة المألوفة لدى الملاحين والبدو الرحل يورثهم الفزع والهلع. ورب رهبة عرت الناس فأوحت إليهم الإيمان بقوة شيء أو مكان ما مثل بيت إيل
2
حيث بات يعقوب ليلة هربه من أخيه عيسو في طريقه إلى خاله لابان الآرامي.
كانت الرهبة تستبد بالإنسان البدائي ويملك عليه الوجل لبه فيخيل إليه أن لكل شيء مما يكتنفه ذكاء، وأن هذه الظواهر الطبيعية إنما تحدثها كائنات موفورة الفطنة واسعة المقدرة، تبغي بصنيعها إنجاز أغراض خاصة لا نعلمها. إن الطفل يحسب دميته ذات حياة حين تتحرك آليا، فهو يتحدث إليها. وقد كان الإنسان البدائي في طفولة البشرية يفكر على هذا النحو؛ ومن ثم خلع مخه البدائي على قوى الطبيعة المحيطة به مثل ما للبشر من ذكاء وإرادة، وجعل يتوهم أحيانا أن لها هيئة كهيئة البشر، كما حباها بالروح، ولكأنما هي من البشر. وقد هيمنت هذه العقيدة على حياته، وما زال أثرها في عقولنا باقيا لم يزل؛ فلقد يتعثر المرء منا في كرسي فإذا هو قد ركله. وبيننا من يعرض للأحداث السعيدة التي تتمخض عنها نواميس الطبيعة فيذكرها على أنها عناية ربانية ومرحمة إلهية. (2) الروح
فسر الإنسان البدائي بعض ما يخفى عليه أمره من هذه الظاهرات بأن له روحا؛ أي جسما لطيفا حالا بجسده، ولكنه مستقل عنه قابل لأن يزايله في أية لحظة ويمارس نشاطه في أماكن أخرى. وهذه النظرة «الروحانية» هي أساس الدين.
لقد كان يقرن بين النسمة والنسمة، ويرى أن «الريح» إن هي إلا «روح»
3
كبيرة، ترضى فتكون نسيما بليلا ينفح، أو تسخط فتكون ريحا سموما تلفح. وعنده أن المرء إذا تراءى له في نومه صديقا فهو إنما رأى روح ذلك الصديق لا شخصه.
وقد فطن إلى أن الموتى لا يتنفسون فتوهم أن «النفس» (بفتح الفاء) هو «النفس» (بتسكين الفاء)؛ أي الروح، ثم خيل إليه أن من ينم نوما عميقا ينقطع تنفسه كذلك فتوهم أن روحه تفارقه بعض الوقت ثم تئوب إليه؟ فهو قمين بألا يوقظه فجأة لئلا تلقى الروح عنتا في العودة إليه، ثم قال في نفسه: لئن كانت الروح ترتد إلى النائم إنها لحرية أن ترتد إلى الميت. وهكذا لاحت في ذهنه فكرة البعث، وجعل - تبعا لذلك - يعنى بدفن موتاه وإيداع قبورهم ما قد يحتاجون إليه من أغذية وأكسية وآنية، واشتط بعض ذوي الثراء في ذلك فجعلوا يقتلون نساء من مات من أقربائهم وجياده وكلابه ويدفنونها معه لعله يفتقدها عند قيامته من الموت.
Unknown page
وقد كان يغلب عنده أن يكون موطن الروح في الرأس وأن يكون مخرجها عند الموت من الأنف أو الفم
4
في أثناء التنفس، كما حدث لراحيل
5
امرأة يعقوب، وأن يكون مدخلها منهما إلى الجسم إذا ارتدت إليه الحياة كما حدث لابن الأرملة التي كانت تعول إيليا. «فسمع الرب لصوت إيليا فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش» (1 ملوك 17: 22).
وهو شبيه بما حدث للرجل الطيني: «ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية»
6 (تكوين 2: 7).
وبما حدث في الطوفان: «كل ما في أنفه نسمة روح حياة من كل ما في اليابسة مات» (تكوين 7: 22).
وعند البدائي أن العطاس أذان بأن الروح تعالج دخول الجسم أو الخروج منه؛ ومن ثم كان عطاس المريض نذيرا بدنو أجله، أو بشيرا بأن العافية تثوب إليه
7
Unknown page
كما حدث عندما رد أليشع الحياة إلى ابن المرأة صاحبة مثواه: «ودخل أليشع البيت وإذا بالصبي ميت ومضطجع على سريره. فدخل وأغلق الباب على نفسيهما كليهما وصلى إلى الرب. ثم صعد واضطجع فوق الصبي ووضع فمه على فمه وعينيه على عينيه ويديه على يديه وتمدد عليه فسخن جسم الولد. ثم عاد وتمشى في البيت تارة إلى هنا وتارة إلى هناك، وصعد وتمدد عليه فعطس الصبي سبع مرات، ثم فتح الصبي عينيه» (2 ملوك 4: 32-35).
وكان البدائي إذا حضرته الثؤباء يضع يده على فمه متخذا منها حاجزا يحول دون خروج الروح من جسده أو دخول عدو روحي إليه.
8
لقد ذهبت به أوهامه إلى ما يعرف الآن باسم المذهب الحيوي
animism
أو مذهب حيوية المادة القائل بأن لكل شيء في الكون، حتى الكون عينه، روحا هي المبدأ الحيوي المنظم له. وقد صور له هذا المذهب: (1)
أن له جسدا وروحا. (2)
أن لكل شيء مما حوله روحا كروحه. (3)
أن من هذه الأرواح ما يبغيه الخير ومنها ما يتربص به الشر.
وإلى هذه الأرواح غير المرئية التي تزخر بها بيئته كان يعزو مختلف الظواهر؛ فما وميض البرق وهزيم الرعد وهبوب الريح واندفاق المطر وزلزلة الأرض عنده إلا أفاعيل آلهة غضبى وشياطين ناقمة.
Unknown page
9
وكان يعتقد أن الروح تظل في الجسم ما ظل الجسم صحيحا متماسكا، فإذا دب إليه التحلل والفساد زايلته الروح.
10
وكان يعتقد أن الروح بعد مباينتها للجسد تحوم حوله زمنا ما؛ ولذلك كان أهل الميت يتنكرون بلبس ثياب الحداد، وبتغيير معالم الأثاث في البيت، وبتعفير وجوههم وحلق شعورهم وتجليل رءوسهم بالرماد؛ لينبهم الأمر على روح الميت المتحررة من جثمانه، ثم «يصوتون» صوات المكروبين ليذعروا الروح ويروعوها فترحل، وما فتئ المحافظون (على التقاليد القديمة) من اليهود إلى اليوم يغيرون اسم مريضهم إذا تبلغت به العلة؛ ليبعثوا الحيرة والارتباك في الروح الشريرة التي أورثته الوصب.
وهذه العادات والتقاليد التي كان يمارسها العبريون القدماء ما زالت حتى اليوم باقية لم يعف عليها الزمن؛ غير أن معانيها لم تعد واضحة في الأذهان؛ فالناس يمارسونها خالفا عن سالف دون تفكير وتمحيص. (3) الطوطم والتابو
كان البدائي يعتقد: (1)
أن الروح بعد بينونتها عن صاحبها تبدو في زيه (هيئته)؛ وبذلك وجدت الثنائية
dualism
من الجسد والروح. (2)
وأنها قد تنقلب صورتها إلى صورة حيوان ما؛ ومن هنا نشأت أساطير المخلوقات التي كانت أناسي ثم مسخت حيوانات. (3)
Unknown page
أن اللحم يحتوي مادة الروح التي ينطوي عليها الحيوان، فراح يتوهم أن المرء يكتسب خصائص الحيوانات التي يغتذي بلحومها، وكان ذلك من أسباب تحريم لحم الخنزير عند اليهود.
وكان كل امرئ يؤثر برعايته حيوانا ما ويعده حارسا له ويحس بصلة وثيقة تربط بينهما حتى ليستحرم قتله ويرى أكل لحمه ضربا من أكل لحم البشر. ومن هذا المعتقد تولدت الطوطمية وهي ضرب من عبادة الإنسان البدائي لحيوان (أو نبات) يحسب أن بينهما آصرة رحم وقربى.
ومن الطوطمية نشأت عقيدة تقمص الأرواح، ويبدو أنه كان لكل قبيلة في تلك العهود الموغلة في القدم طوطم
11
حيواني واحد على الأقل تقدسه وتنظر إليه على أنه الروح الحارسة لها، وأنه منبع قوتها، ومصدر البركة الحالة بها، وترى الإقامة في جواره من صالح الأعمال. وكان هذا الطوطم كأنه رمز للقبيلة، وشعار يوحد بين أفرادها إذ يتوهمون أنهم منحدرون من سلالته أو أنهم على الأقل تربطهم به آصرة قربى.
12
كان الطوطم يعد مقدسا ونجسا في آن واحد، وكانت تحميه شريعة ال تابو
13
أي شريعة التحريم؛ فمن المحرم عليهم قتله وأكل لحمه، وهذا منشأ التابو الغذائي.
وقد بقيت فكرة الإضراب عن أكل بعض الطواطم سائدة في بعض المجتمعات؛ فالبقرة تابو عند الهنود، والخنزير تابو عند اليهود؛ وإنما يضرب اليهودي الورع عن أكل لحم الخنزير لأن أسلافه الأقدمين منذ خمسة آلاف سنة أو ستة آلاف كانوا يتخذون الحلوف
Unknown page
14
البري طوطما لهم. ولا صلة لهذا الإضراب بما يحتج به حاخامو اليهود المحدثون من أسباب صحية؛ فإن الكتاب المقدس لم يذكر أية حادثة فشا فيها وباء أو نجم فيها مرض من جراء أكل لحم غير طاهر، ولا غرو في ذلك؛ فهو ينظر إلى المرض على أنه رجس من عمل الأرواح والشياطين.
وقد كان الحمل طوطما لإحدى القبائل الكنعانية، وكان عيد الفصح عند الكنعانيين عيدا يقربون فيه حملا لإله من الآلهة المحليين، ثم أصبح هذا الطوطم بعد ذلك «حمل بسكال» في الدين المسيحي. (4) التمائم والأوثان
كان البدائيون إذا طاف بأحدهم طائف من مرض أو حل به الموت عزوا ذلك إلى الأرواح الماثلة في كل ما يكتنفهم؛ ولهذا كانت تلك الأرواح حرية بأن تسترضى.
وازدادت الآراء الدينية على الزمن تعقدا واعتياصا، وغدت الأرواح عسيرة المأتى، فبدت الحاجة إلى انقطاع فئة من الناس لمباشرة هذه الأمور والتعمق في اكتناه أسرارها. وبدأ التخصص فلم يبق كل امرئ كاهن نفسه بل أخذ آباء الأسر الكبيرة ورؤساء العشائر الصغيرة على عواتقهم تصريف أمور الشعائر والاحتفالات الدينية، وغدوا بذلك ملوكا وكهنة معا، وما فتئت الأفكار الدينية تزداد زخرفا حتى غدا الكاهن الملك هو المثوى الذي تحل به روح القبيلة؛ ولهذا كان قمينا أن يعبد إلها؛ وهكذا - في أغلب الظن - نشأ الحق الإلهي للملوك. وكان من أثر هذه العقيدة في بعض الشعوب أن درجوا على قتل الملك إذا ما علت به السن ووهن منه العظم ليفسحوا للإله أن يثوي في جسد شاب، موفور الفتوة، جم النشاط، حديد العزم، عظيم الهمة. وكان الملك في بعض الأحيان يفتدي نفسه بابنه فيقتلون ابن الملك ويقولون: إنهم قتلوا ابن الإله.
وفي خلال ذلك تخلقت في بطء فئة من الناس تجردت لمعالجة الأمور الروحية، كانوا يتلقون تدريبا طويلا ويلقن كل منهم ابنه ما أوتي من حكمة . وخبر هؤلاء الكهنة البدائيون عنت الحمية عن الطعام في أوقات الجدب، وعلموا أن المخمصة تورث الخبال وتطلق الحناجر بالهذيان، وبلوا كذلك فعل المخدرات في إطلاق الأعنة للأخيلة والأوهام، فاستعانوا بها وبالصوم على التجلي، فكانت تعتريهم نوبات من الدروشة وتنطلق ألسنتهم بأصوات غريبة وألفاظ غير ذات معنى، فيتوهم من حولهم من السذج أن الأرواح قد حلت بهم، وأنها هي التي تنطق بألسنتهم
15
فيسري الرعب في أوصالهم،
16
فيبذلون بعض ما يملكون؛ ليشتروا به أمنهم وسلامتهم.
Unknown page
كان البدائي يتوسل إلى دفع الأرواح الشريرة بتلاوة الأدعية، وإقامة الصلوات، وحمل الخرز، وعد حبات السبح، وإناطة التمائم، وهي شيء تثوي فيه روح صديقة ذات بأس ونشاط، فإذا ما حمل المرء التميمة «حجبت» عنه أذى الأرواح الشريرة، وما «الحجاب» الذي ينوطه المرء عليه في وقتنا هذا إلا صورة متأخرة من التميمة. ولا تزال كثيرات من نساء أوروبا يلبسن المدليات والتمائم لاستدرار المعونة مما وراء الطبيعة ولاتقاء ما عسى أن يكون مخبوءا لهن في عالم الغيب. ولا يزال كثير من رجال الشرق يحملون السبح لأسباب هي في بعض الأحيان قريبة من ذلك.
وقد أضفت صناعة التمائم قدسية على الذين انفردوا بصنعها وهم الكهنة. واستغل الكهنة الدين لأغراضهم الخاصة، وعملوا على استدامة الخرافات بين شعوبهم لتظل قابعة في غيابة الجهل فيسهل عليهم خداعها وإخضاعها وابتزاز أموالها. وقد أيقظت الخرافات في الناس المطامع الحمقاء وأثارت فيهم النزعات الهوجاء وسيرت موكب البشرية أحقابا مديدة مسخرا في أشغال شاقة لا خير فيها ولا جدوى منها. ولو أن أولئك الناس بذلوا في سبيل البشر ما بذلوه في سبيل آلهتهم تلك لكنا الآن نتفيأ ظلال حضارة خير من حضارتنا وأرقى.
وما لبث الناس أن انتقلوا من تميمة الفرد خاصة إلى تميمة القبيلة عامة، وكانت بادئ بدء تتخذ من الروح الباسق والجلاميد الضخام؛ تلك هي الأوثان
idols
في أبسط أشكالها. وعندما اتخذ الناس الأوثان أربابا يتوسلون بها إلى ما فيه صلاحهم بدأ «الدين». وقد نجمت الأديان الأولى من الاتحاد بين العقيدة والمنسك.
ولما ارتقى القوم شيئا ما عمدوا إلى مسح أوثانهم هذه بالزيت
17
ثم خطوا خطوة أخرى فأصبحوا يخضبونها بالدم لتطيب الأرواح التي تسكنها بذلك نفسا فتظل حالة بها لا تريم، ثم تفتقت أذهانهم عن خطة جديدة فغدوا يقتلون الإنسان وينحرون الحيوان ويقربونهما لأوثانهم، وبذلك نشأ منسك التضحية،
18
وكان أهم المناسك الدينية طرا عند جميع الشعوب في تلك الأعصر السحيقة في القدم، وبه فسر أول حادث قتل في العالم إذ فتك هابيل بقايين (قابيل)؛ لأن يهوه تقبل قربان قايين، وكان من اللحم، وأشاح عن قربان هابيل وكان من النبات.
Unknown page
كان الفينيقيون والقرطاجنيون
19
ومن إليهما من الشعوب السامية يقدمون القرابين البشرية للإله ملخ (بضم الميم) - أي الملك - وعندما حصرت مدينة قرطاجنة سنة 307ق.م حرق أهلها على مذبح هذا الإله مائتي غلام من أبناء السراة. وكانوا في سورية إذا ما حزبهم أمر يحرقون بعض الأطفال، ثم أصبحوا يكتفون بختنهم أو ببذل قدر من المال قربانا لبعل أو عشتورت.
لقد رتع الآلهة في لحوم البشر ردحا من الدهر. فلما ارتفعت الحضارة وغدا الناس يبدون امتعاضهم من التضحية بأفلاذ أكبادهم انصرف الآلهة عن لحم الإنسان إلى لحم الحيوان؛ ونرى صورة لذلك في قصة إبراهيم حين يمسك عن ذبح ابنه إسحاق ويفتديه بكبش. (5) الآلهة
وما عتم الناس أن آثروا الاقتصاد في الوقت واليسر في العبادة؛ فانتهجوا طريقة الأعمال الكبيرة، وذهبوا إلى أن هناك إلها أعظم يهيمن على الآلهة الصغار. كان كهنة سوريا يعترفون بالإله الأعظم «ألو» (المشابه لألوهيم اليهود) في الوقت الذي كانوا يعبدون فيه الإله «بعل»، وكانوا في بابل في عصر بختنصر ومن قبله ينادون بأن «مردك» (بضم الدال) هو الإله الخالق دون أن يمحو ذلك عبادة سائر الآلهة، فالاعتراف بالإله الخالق ليس هو الإقرار بالوحدانية.
وأخلت أديان الآلهة المتعددة والأصنام الكثيرة الطريق آخر الأمر للإيمان بإله واحد لا يجشم الخلق عناء الحج إليه في موطن بعينه، بل يجدونه أينما ولوا وجوههم؛ لأنه حال بكل مكان. وزعم كل شعب أن إلههم هذا هو الذي أنزل عليهم شريعتهم؛ فالإله «شمش » إله الشمس هو واضع قانون حمورابي ملك بابل، و«أهورا-مزدا» هو الذي حبا زرادشت بالناموس في فارس حين راح هذا يصلي فوق جبل شاهق، و«زيوس» هو الذي أعطى الملك منيوس فوق جبل دكتا (بكسر الدال) الشريعة التي حكمت بمقتضاها جزيرة كريت ... وهلم جرا. (6) السحر عند الوثنيين
الآن، وقد اكتسب الذكاء الإنساني حدة وازدادت المعرفة البشرية سعة، أصبحنا نعلم عن يقين أنه ما من صلة بين سلوك الإنسان وظواهر الطبيعة؛ فمهما بلغ امرؤ أو شعب من سوء السيرة ولؤم السريرة، ومهما أتى هذا المرء أو هذا الشعب من المناكر وطالح الأفاعيل
20
فلن يحدث ذلك زلزالا أو يعقب طوفانا أو يحبس السماء فتجدب الأرض؛ ونعلم كذلك أن الصاعقة قد تنقض على الطيب والخبيث بدرجة سواء؛ فالطبيعة لا ترمي إلى هدف معلوم، وإنما هي تنتج بلا غرض وتحطم بلا سبب.
وقد كان البدائيون على غير بصر بما نعرفه اليوم من بواعث المرض؛ فالأمراض كلها ترجع عندهم إلى ما وراء الطبيعة ولا دواء لها غير السحر. لقد كانوا لا يعرفون حدا تقف عنده قوى الروح في إيلاء الشر وإيتاء الخير؛ ولذا عملوا على تألفها بالابتهال إليها؛ ومن هنا نشأت صلاة الوثنيين وسائر شعائرهم واحتفالاتهم الدينية وفشت عبادة الأرواح وإزلاف القرابين لها والتفنن في إقناع الأرواح الخيرة بمديد المعونة إليهم، وذلك أصل السحر؛ وهو فن الاستعانة بقوى وطاقات من وراء الطبيعة غير منظورة؛ وذلك لبلوغ أغراض مخصوصة يتعاصى بلوغها بالوسائل الطبيعية المألوفة والأساليب المنطقية المعروفة، ويتم ذلك بإتيان حركات معلومة وترديد كلمات مرسومة.
Unknown page
ويقوم السحر على مبدأين أساسيين يكونان معا ما يمكن تسميته ب السحر العاطفي
sympathetic magic
وهذان المبدآن هما: (1)
السحر بأشباه الأشياء
homoeopathic magic
ينتج الشيء ما يشبهه، وتأتي النتائج من جنس المقدمات، فإذا عرف الساحر المحنك بخبرته أن المطر وشيك الانهمار شرع يستسقي للقوم؛ وذلك بأن يسكب بعض الماء على الثرى ويقعقع
21
قارورة فيها حصى؛ فيحدث ذلك صوتا يحاكي ما يصحب المطر من هزيم.
ولقد كانوا في إنجلترا إلى عهد قريب يعالجون الرمد بنبات الفراسيون
eyebright
Unknown page
لأن زهرته تشبه العين، وكانوا في ألمانيا يعالجون اليرقان بأشياء صفراء فاقع لونها كالذهب والزعفران. (2)
السحر بما بين الأشياء التي ينفصل أحدها عن الآخر من صلة غير مقطوعة
contact magic .
إن الأشياء التي كانت مرة موصولا بعضها ببعض تحتفظ بقوة تفاعل بينهما حتى بعد أن تنفصم تلك الصلة؛ ولهذا يتخذ «أثر» الشخص وسيلة للكيد له والنيل منه. (7) السحر عند العبريين
سار العبريون فيما يتصل بأوهامهم ووساوسهم الدينية على النهج الذي سارت عليه سائر العشائر البدائية؛ فبدءوا بتعاطي السحر. وقد رووا وقائع كثيرة أنجز فيها السحر ما أريد منه، وخلفوا «وصفات» شتى لكيفية قتل امرئ أو إيذائه بالسحر ولطريقة اجتذاب المحبوبة إلى من يهواها وحملها على أن تطارحه الهيام.
والكتاب المقدس حافل بالشواهد على إيمان اليهود بالسحر.
فعندما احتشدت جحافل الفلسطينيين لذود الغزاة من بني إسرائيل وطفق الكهنة يكيدون شاول ويزعمون له أن الرب حال عن مودته وكف عن نصرته؛ تلبد الجو في وجهه وأعيت عليه معالجة الخطر الخارجي والداخلي في آن، وأراد أن يستخير
22
ربه فإذا هو قد تجمدت قريحته وتبلدت مخيلته حتى استعصى عليه أن يرى رؤيا يفسرها بما تشاء له وساوسه وأوهامه، ولم يجد بدا من الانصراف إلى الجان عوضا عن الآلهة، واللواذ بالسحرة بدلا من الأنبياء: «فقال شاول لعبيده: فتشوا لي على امرأة صاحبة جان فأذهب إليها وأسألها. فقال له عبيده: هو ذا امرأة صاحبة جان في عين دور. فتنكر شاول ولبس ثيابا أخرى وذهب ... فقالت المرأة: من أصعد لك؟ فقال: أصعدي لي صموئيل،
23
Unknown page
فلما رأت المرأة صموئيل صرخت بصوت عظيم. وكلمت المرأة شاول قائلة: لماذا خدعتني وأنت شاول؟
24
فقال لها الملك: لا تخافي
25
فماذا رأيت؟ فقالت المرأة لشاول: رأيت آلهة
26
يصعدون من الأرض. فقال لها: ما هي صورته؟ فقالت: رجل شيخ صاعد وهو مغطى بجبة. فعلم شاول أنه صموئيل فخر على وجهه إلى الأرض وسجد. فقال صموئيل لشاول: لماذا أقلقتني بإصعادك إياي. فقال شاول: قد ضاق بي الأمر جدا ... فقال صموئيل: ولماذا تسألني والرب قد فارقك وصار عدوك ، وقد فعل الرب لنفسه كما تكلم عن يدي، وقد شق المملكة من يدك وأعطاها لقريبك
27
داود» (1 صموئيل 28: 5-17).
وليست تعزب عنا تلك المباراة التي قامت بمشهد من فرعون بين سحرة مصر وبين النبيين اليهوديين الوافدين من مدين في إحالة العصي حيات وثعابين، ولنا أن نعد من هذه البابة ما حدث في برية سينا حين أبدى بنو إسرائيل الآبقون
Unknown page
28
من مصر تذمرهم من التيه الطويل في تلك المفاوز
29
الوعرة التي مكثوا يضربون فيها أعواما دون أن يجدوا سبيلا منها إلى خروج واستبشاعهم الطعام المسيخ
30
الذي كتب عليهم أن يتجرعوه وهم لا يكادون يسيغونه
31
وتأذيهم من الحيات التي وقعوا بين أنيابها فما انفكت تثخنهم لدغا حتى بدا لموسى أن يجتزئ بما أصابهم وأن يكف عنهم هذا الأذى: «فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية، فكان متى لدغت حية إنسانا ونظر إلى حية النحاس يحيا» (عدد 21: 9).
وقد سحق هذه الحية بعد 8 قرون حزقيا بن آحاز ملك يهوذا بين ما حطمه من أصنام وأنصاب: «هو أزال المرتفعات وكسر التماثيل وقطع السواري وسحق حية الناس التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها ودعوها نحشتان» (2 ملوك 18: 4).
هذا وقد فصلت الأسطر الأولى من سفر التكوين كيف سلك الله في خلق الكون نهجا يذكرنا بصنع السحرة: «وقال الله: ليكن نور فكان نور» (تكوين 1: 3).
Unknown page
ويغنينا عن المزيد من الاستشهاد أن يهوه نفسه قال صريحا: «لا تدع ساحرة تعيش» (خروج 22: 18).
وهي الآية الكريمة التي أزهقت بمقتضاها حياة الألوف من البشر متهمين بجرائم لم يكن في طوقهم أن يقارفوها.
وقد ظل السحر عالي الشأن عميق الأثر حتى القرون الوسطى. وكان الأقدمون يؤمنون أن ممارسة السحر عمل اختصت به النساء دون الرجال أو أن الغلبة لهن في ممارسته؛ ولهذا كانت كثيرة المتهمين بممارسته من النساء، والنساء في نظر الإكليروس مفطورات على الشر.
32
والساحرة في صورتها المحدثة امرأة وثيقة الصلة بالشيطان لها مقدرة على إتيان الخوارق تحلق بين آن وآخر في الهواء فيما بين الجمعة والسبت من ليالي الأسبوع ممتطية مكنسة ذات عصا، فتؤم ندوات مختلفة تتنادى فيها الساحرات فوق قنن الجبال الشاهقة لتجديد البيعة للشيطان وإظهار الولاء له، وتخرج الساحرة إلى رحلتها هذه لا جهرة من باب البيت بل خفية من ثقب المفتاح أو من مدخنة المدفأة، ويرقد في فراشها في أثناء غيبتها شيطان من الشياطين الصغيرة الشأن متخذا زيها، ويحضر الندوة شيخ الشياطين في هيئة جدي ذي رأسين، فيمضين إليه يلثمنه، ويرقص لفيف منهن عاريات بين يديه، ثم يقبلن جميعا على الطعام والشراب على حين يجوس هو خلالهن متفحصا باحثا عن العلامة التي كان قد وسمهن بها.
وكان على من تقرف بممارسة السحر أن تعترف بجريرتها، فإن لم تفعل طوعا أجبرت على ذلك كرها، فإذا تجنت على نفسها استنجاء من سوء العذاب لم يكف الزبانية عن تعذيبها؛ إذ إن الاعتراف المطلوب منها لا يصح أن يقتصر على ما يتصل بشخصها بل يجب أن يتناول كذلك كل من تعرف (المتهمة) أنهن حلائف الشيطان؛ ومن ثم كانوا يستأنفون تعذيبها ولا يمسكون عن إذاقتها أنكى ضروب التعذيب حتى تدلي بأسماء من شهدت في ندوة السواحر من أهل القرية (أو الحي) أو بصفاتهن، فيشد عليهن وتستنطق كل منهن بالطريقة عينها، فتعترف على نفسها ثم تدلي بما يعن لها من أسماء ... وهلم جرا. وكان يقال للزوج وهو يعلم أن زوجته لم تفارق فراشه، إن ضجيعته في تلك لم تكن حليلته حقا بل كانت شيطانا يتزيا بزيها. وكان المألوف أن يخنقوا الساحرات بأيديهم فيمتن دون أن تهرق دماؤهن، ثم يحرقوا جثثهن فينبعث منها قتار
33
كذلك الذي ينبعث من محرقات اليهود.
وقد عبد الساحر الطريق أمام الحبر
34
Unknown page
اليهودي، وليس ذلك بالأمر الذي يعسر فهمه، فهما صنوان ولدا معا وشبا وترعرعا معا ولبثا معا يعيشان على خرافات ما وراء الطبيعة ويمارسان وظيفتهما بإقامة شعائر ومناسك خاصة بكل منهما؛ فالساحر يستعين الرقى والعزائم على إخضاع القوى التي تعلو قوة البشر وإملاء إرادته عليها، على حين يتوسل رجل الكهنوت إلى هذه القوى بدعوته إياها بألفاظ مهذبة . وهذا الفرق بين الأسلوبين وليد التباين العقلي والثقافي بين الساحر ورجل الدين، وكذلك بين جمهور هذا وجمهور ذاك، وثم في بعض الأحيان ما يشبه أن يكون تعاونا بين الطائفتين؛ إذ إن بين رجال الكهنوت من يدللون على صدق مزاعمهم حول عالم ما وراء الطبيعة وخلود أرواح البشر وصدق المعجزات المنسوبة إلى أنبياء بني إسرائيل (كوقف الشمس والقمر عن الدوران) بما يروجه السحرة ومحضرو الأرواح المحدثون من الأضاليل وما يدعون إتيانه من الخوارق والأعاجيب، وكذلك بين المشعوذين من يستشهدون على صحة دعاواهم في فعل السحر وتسخير الجان قديما وحديثا بما ورد في هذا المعنى من آي الكتاب المقدس.
وقد نشأ الدين اليهودي مشوبا بالوساوس والأوهام التي كانت تهيمن على أولئك البدو البدائيين، ولم يكن في أول مراحله غير أمشاج
35
من الأساطير والوصايا؛ أي التابوات المؤسسة على المذهب الحيوي والسحر العاطفي؛ ولهذا كان يتضمن أوامر ونواهي تغمض حكمتها على القارئ ما لم يكن على بصر بما كان للإيمان بالسحر من دخل في تحبير هذه الأقوال: «لا تزرع حقلك صنفين لئلا يتقدس الملء الزرع الذي تزرع ومحصول الحقل. لا تحرث على ثور وحمار معا ... لا تلبس ثوبا مختلطا صوفا وكتانا معا» (تثنية 22: 9-11).
ولهذا جرت جمهرة القراء على أن تغضي عنها وتجاوزها إلى ما يليها.
انظر - مثلا - إلى ما يتصل بالإحصاء الذي أجراه داود: «وعاد فحمي غضب الرب على إسرائيل فأهاج عليهم داود قائلا: امض وأحص إسرائيل ويهوذا ... فكان إسرائيل ثمانمائة ألف رجل ذي بأس مستل السيف، ورجال يهوذا خمسمائة ألف رجل
36
وضرب داود قلبه بعدما عد الشعب، فقال داود للرب: لقد أخطأت جدا في ما فعلت. والآن يا رب أزل إثم عبدك لأني انحمقت جدا ... فجعل الرب وبأ في إسرائيل من الصباح إلى الميعاد فمات من الشعب من دان إلى بئر سبع سبعون ألف رجل» (2 صموئيل 24: 1-15). (1)
فلم احتاج الإحصاء إلى «إهاجة» داود؟ (2)
ولماذا استحمق داود نفسه بعدما عد الشعب؟ ولماذا عرض له أنه أغضب الرب (أي الكهنة)؟ (3)
Unknown page
ولماذا استبد به الفزع حتى لدم
37
صدره؟ (4)
وما هو هذا الإثم الذي سأل الرب أن يزيله، والذي وجب أن تكون تحلته 70000 رجل؟
ألا إنها لأمور يعجز العقل المنطقي المتحضر عن استكناه أسبابها ويعييه الاهتداء إلى سرها؛ لأن مفتاحها إنما هو فيما يزعمونه من التفاعلات السحرية العاطفية كما سنرى من بعد.
هذا وفي مناسك العبريين، غير ما تقدم، أمور كثيرة يعيا بها الفهم ويكل عنها النظر إلا أن يهتدي إلى جذورها في ألفاف
38
الأساطير، ومن ذلك اتخاذ الطلاسم والعوذات استجلابا لليمن، وإناطة التمائم تحرزا من قوى الشر، والابتهال والصلاة والجثو على الركبتين والصيام عن تناول بعض الأطعمة ... إلخ إلخ. (8) التابو وليد الإيمان بالسحر
تكشف لنا أساطير
39
Unknown page
العهد القديم «وأقاصيصه»
40
عن كثير من معتقدات الإسرائيليين الغابرين، ومنها نتبين فرط تخبط أولئك القوم في دياجير الجهالة؛ ولنضرب لذلك مثلا قصة يونان
41
وهو الذي يعرفه العرب باسم يونس: «وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلا: قم اذهب إلى نينوى
42
المدينة العظيمة وناد عليها؛ لأنه قد صعد شرهم أمامي. فقام يونان ليهرب إلى ترشيش
43
من وجه الرب، فنزل إلى يافا، ووجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش من وجه الرب
44
Unknown page
فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر فحدث نوء
45
عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر. فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى إلهه ... وقال بعضهم لبعض: هلم نلقي قرعا لنعرف بسبب من هذه البلية. فألقوا قرعا فوقعت القرعة على يونان. ... فقالوا له: ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا؟ لأن البحر كان يزداد اضطرابا. فقال لهم: خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم؛ لأنني عالم أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم.
46 ... ثم أخذوا يونان وطرحوه في البحر فوقف البحر عن هيجانه، فخاف الرجال من الرب خوفا عظيما وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذورا. وأما الرب فأعد حوتا
47
عظيما ليبتلع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال» (يونان 1: 1-17).
هذا، وقد سجل «العهد» في طياته غير قليل من المعتقدات المؤسسة على المذهب الحيوي والسحر العاطفي ، ارتضاها أحبار بني إسرائيل وأدمجوها في أسفارهم المقدسة: (1)
فالابن يرث من أبيه آثامه كما يرث منه قسمات وجهه؛ ومن ثم كان الابن يؤخذ بجريرة أبيه.
48 (2)
ومن الميسور أن تنقل الآثام كما تنقل الأثقال من كاهل إلى كاهل؛ ومن هنا نشأ منسك نقل الذنوب من بني الإنسان إلى تيس يطلقه الكاهن في القفر.
Unknown page
49 «ويضع هارون يديه على رأس التيس الحي ويقر عليه بكل ذنوب بني إسرائيل وكل سيئاتهم مع كل خطاياهم ويجعلها على رأس التيس ويرسله بيد من يلاقيه إلى البرية؛ ليحمل التيس عليه كل ذنوبهم إلى أرض مقفرة فيطلق التيس في البرية» (لاويون 16: 21-22). (3)
قد يولد الطفل وبجسده علامة شبيهة بشيء وقع عليه بصر الأم في أثناء حملها به، وفي استطاعة الحامل أن تكسب الجنين الذي في أحشائها شبه شيء ما وذلك بأن ترنو
50
إليه طويلا.
ويمكن إحداث هذه الظاهرة في الحيوانات أيضا. ومن ذلك أن يعقوب عندما حان له أن يفصل
51
عن بيت خاله وحميه لابان سأله أن يوفيه أجر خدمته إياه، وعرض عليه أن يكون جعله ما يولد من الغنم وبه رقشة
52
أو تفويف.
53 «فأخذ يعقوب لنفسه قضبانا خضراء من لبنى
Unknown page