ومن العادات العامة بآسيا، حتى في مصر، حتى لدى جميع الأمم القديمة، أن كان لكل مدينة، لكل قبيلة، إلهها الخاص الحافظ، مع اعترافها بطائفة من الآلهة، فكان لمؤاب الإله خموس، ولصور الإله ملكارت، وللفلسطينيين الإله داجون، ولبني إسرائيل الإله يهوه.
ولم يعبد بنو إسرائيل - حتى دور الإسارة، حتى عند أكثر أنبيائهم توحيدا - إلها يمكن أن يكون رب الأمم الأخرى، ولم يكن لإصلاحات الأنبياء غير صبغة محلية في كل حين، وكل ما كان يطلبه هؤلاء الأنبياء هو أن تسود بني إسرائيل عبادة يهوه على حساب المعبودات الأجنبية، ففي فلسطين لم يفكر أحد في إله إزلي شامل قبل إشعيا وإرميا، أي نبيي المنفى الكبيرين اللذين لم يكادا يبصران تلك النتيجة المجيدة.
وعلى ما في أسفار اليهود من دفاع عن أفضلية يهوه، لم تمار هذه الأسفار قط في وجود آلهة أجنبية.
جاء في سفر التثنية: «أي شعب كبير ذي آلهة قريبة منه قرب يهوه منا، حينما نبتهل إليه في كل مرة.»
وسفر التثنية هذا يأمر بني إسرائيل بهدم جميع مدن الشعوب المغلوبة وبيوت عبادتها وتحطيم أصنامها؛ لكيلا يضطروا إلى خدمة آلهة البلدان الأجنبية، ومعنى هذا أن لولا هذا التخريب لاقتضى انتحال الآلهة التي تشتمل عليها تلك المحال بطبيعة الحال.
إذن، أضحى يهوه إله بني إسرائيل القومي، بيد أنه كان لا معدل لهذا الإله - مع غيرته - عن العيش متفاهما هو وطائفة من الآلهة والإلهات، والحيوانات المقدسة كالعجل والثعبان، حتى الزمن الذي أدى فيه تطور بني إسرائيل الديني إلى عودة هذا الشعب إلى ميوله الأولى التي أفسدتها الإقامة بما بين النهرين، أي إلى التوحيد السامي.
وكان يهوه ذلك ضاريا على الخصوص، فالدماء إذا لم ترق، والشحم إذا لم يقتر على المذبح؛ لم يرتض.
وكان تقدم إليه قرابين عظيمة، وبلغ ما ذبحه سليمان دفعة واحدة من الثيران والخرفان الكثيرة ما ظهر معه المذبح النحاسي - الذي يذبح عليه عادة - صغيرا جدا، فجلس هذا الملك في فناء الهيكل وهو يذبح أو يأمر بالذبح بلا انقطاع مدة أسبوع كامل، فبلغ ما ذبحه، بحسب رواية أخباره، اثنين وعشرين ألف ثور، ومائة وعشرين ألف خروف؛ إرضاء لميول إلهه الدامية!
ولم يكن يهوه ليرتضي بالقرابين الحيوانية وحدها، بل كان لا بد من تقديم القرابين البشرية إليه، ودامت هذه العادة لدى بني إسرائيل طويل زمن، فضحى يفتاح بابنته، وكاد إبراهيم يضحي بابنه، وضحى صموئيل بملك العمالقة أجاج فقدمه قطعا إلى يهوه في الجلجال.
وتتجلى سجية يهوه الدامية في معظم أوامره إلى شعبه، وقد قال إلى الشعب المختار:
Unknown page