Al-wuzarāʾ waʾl-kuttāb
الوزراء والكتاب
Genres
[127]
يجتمع ضعفاء قط إلا قووا حتى يمتنعوا، ولم يفترق أقوياء قط إلا ضعفوا حتى يخضعوا، واجتماع الضعيفين قوة، وافتراق القويين مهانة تمكن منهما، غافل الجماعة لا تضره غفلته، لكثرة من يحفظه، ومتيقظ الفرقة لا ينفعه تيقظه، لكثرة من يطلبه، وصاحب الجماعة يدرك أرشه في الخدش والشجة، وصاحب الفرقة يذهب حقه في النفس والحرمة.
وفي جعفر يقول مسلم بن الوليد، في قصيدة طويلة:
استفسد الدهر أقواما فأصلحهم ... محمل نكبات الدهر محتمل
به تعارفت الأحياء وأتلفت ... إذ ألفتهم إلى معروفه السبل
كأنه قمر أو ضيغم هصر ... أو حية ذكر أو عارض هطل
قال الجاحظ: دخل أبو قابوس النصراني الحيري وكان منقطعا إلى البرامكة على جعفر بن يحيى في يوم بارد، فتبين عليه جعفر أثر البرد، فألقى إليه مطرف خز، كان شراه جملة كبيرة، وانصرف أبو قابوس، فحضره عيد لهم، فالتمس في ثيابه ما يشاكل ذلك المطرف فلم يجده، فقالت له ابنته: لو كتب إلى جعفر فعرفته حالك، لوجه إليك ما تلبسه مع هذا، فكتب إليه:
أبا الفضل لو أبصرتنا يوم عيدنا ... رأيت مباهاة لنا في الكنائس
فلو كان هذا المطرف الخز جبة ... لباهيت أصحابي به في المجالس
فلا بد لي من جبة من جبابكم ... ومن طيلسان من جياد الطيالس
ومن ثوب قوهي وثوب غلالة ... ولا بأس لو أتبعت ذاك بخامس
إذا تمت الأثواب في العيد خمسة ... كفتك فلم تحتج إلى لبس سادس
لعمرك ما أفرطت فيما سألته ... ولا كنت لو أفرطت فيه بيائس
وذاك لأن الشعر يزداد جدة ... إذا ما البلى أبلى جديد الملابس
فوجه إلى أبي قابوس من كل صنف ذكره عشر قطع.
ولم تزل كتب الملوك والرؤساء تجري في التوقيعات على أن يوقع الرئيس في القصة بما يجب فيها، ويذكر المعاني التي يأمر بها، ولم يكن للكتاب في ذلك الأمر شيء أكثر من أن يكتبوا تلك الجملة من التوقيع ألفاظا تشرحها ويقرب من العامة فهمها، ولا تخرجها عن معنى قصد الرئيس، إلى أيام الرشيد، فإن المتظلمين كثروا على باب جعفر، وتأخر جلوسه
Page 231