Al-wuzarāʾ waʾl-kuttāb
الوزراء والكتاب
Genres
[124]
ودفع رجل إلى جعفر رقعة ذكر فيها قصده إياه بأمل طويل، ورجاء فسيح، فوقع على ظهرها:
هذا يمت بحرمة الأمل، وهي أقرب الوسائل، وأثبت الوصائل، فليعجل له من ثمرة ذلك عشرون ألف درهم، وليمتحن ببعض الكفاية، فإن وجدت عنده فقد ضم إلى حقه حقا، وإلى حرمته حرمة، وإن قصر عن ذلك فعلينا معوله، وإلينا موئله، وفي مالنا سعة له. ورفع رجل إلى جعفر قصة يسأله الاستعانة به، وكان يعرفه ويخبره، فوقع:
قد رأيناك فما أعجبتنا ... وبلوناك فلم نرض الخبر
وكان جعفر بن يحيى يقول: الخط سمط الحكمة، به تفصل شذورها، وينظم منثورهما. ووقع على كتاب لعلي بن عيسى بن ماهان، وقد كتب إليه رقعة معتذرا من أشياء بلغته عنه:
كأنا وقد كنا صديقا مصافيا ... تباعد بينانا فدام إلى الحشر
ووقع على كتاب آخر لعلي بن عيسى: حبب إلينا الوفاء الذي أبغضته، وبغض الغدر الذي أحببته، فما جزاء الأيام أن تحسن ظنك بها، وقد رأيت غدراتها ووقعاتها عيانا وإخبارا، والسلام. ووقع على رقعة لمحبوس: العدوان أوبقه، والتوبة تطلقه.
وكان الأصمعي يألف جعفر بن يحيى ويخص به، وله فيه مديح كثير، وحكايات توصف، وتقريظ وتفضيل، فمن شعره فيه:
إذا قيل: من للندى والعلى ... من الناس؟ قيل: الفتى جعفر
وما إن مدحت فتى قبله ... ولكن بنو برمك جوهر
وقال يوما جعفر لخادم له: أحمل معنا ألف دينار، فإني أريد أن أمر بالأصمعي، فإذا حدثني وأضحكني، فضع الكيس في حجره، ثم صار إليه ومعه أنس بن أبي شيخ، فحدثه الأصمعي بكل شيء، فلم يضحك، وانصرف، فقال له أنس: إنه قد أضحكك بجهده، فلم تضحك، وليس عادتك رد شيء قد أمرت بإخراجه من بيت مالك. فقال له جعفر: ويلك! قد وصلنا هذا بخمس مئة ألف درهم، ولم أدخل له بيتا قبل هذه الدفعة، ورأيت حبه مكسورا، وعليه برنكان منجرد، وتحته مصلى وسخ، وكل ما عنده رث، وأنا أرى أن لسان النعمة أنطق من لسانه، وأن ظهور الصنيعة أمدح وأهجى من مديحه وهجائه، فعلام أعطيه
Page 226