[76]
هؤلاء، ويكفيهم مئونتهم وعيالاتهم، فقال له عمارة: إن الأموال لا تسعهم، ومضى إلى المهدي، وعاد إلى أبي جعفر، فخبره عمارة بذلك، فقال له أبو جعفر: كذبت! ليس الأمر على ما ذكرت، والأموال واسعة، ولكن العذر ما أنا ذاكره له، فأحضرنيه، فأحضره، فقال له: قد بلغني ما قلته لصاحبنا، وما قاله لك، وكذب، لأن الأموال واسعة، ولكن أمير المؤمنين يكره أن يستأثر على أحد من رعيته، وأهل سلطانه بشيء من حظ، أو فضل في دنيا أو آخرة، وأحب أمير المؤمنين أن يشركوه في ثواب السؤال والزمني، وأن يسألوهم من ذوات أيديهم، ومما أعطاهم الله عز وجل من الرزق، ليكون ذلك نجاة لهم في آخرتهم، وتمحيصا لذنوبهم، فقال الرومي: الحق ما قاله أمير المؤمنين.
وكانت نخوة عمارة وتيهه يتواصفان ويستسرفان، فأراد أبو جعفر أن يعبث به، فخرج يوما من عنده. فأمر بعض الخدم أن يقطع حمائل سيفه، لينظر أيأخذه أم يتركه؟ ففعل ذلك، فسقط السيف، فمضى عمارة لوجهه، ولم يلتفت إليه، وكان المثل يضرب بتيهه، فيقال: أتيه من عمارة.
وكان عمارة إذا أخطأ يمضي على خطئه تكبرا عن الرجوع ويقول: نقض وإبرام في ساعة واحدة! الخطأ أهون علي من هذا. وله شعر صالح، فمن ذلك.
لا تشكون دهرا صححت به ... إن الغنى في صحة الجسم
هبك الإمام أكنت منتفعا ... بغضارة الدنيا مع السقم؟
قال محمد بن يزداد:
قلد المنصور عمارة بن حمزة الخراج بكور دجلة والأهواز، وكور فارس، وتوفي المنصور سنة ثمان وخمسين ومائة وعمارة يتقلد ذلك.
وقلد المنصور حمادا التركي تعديل السواد، وأمره أن ينزل الأنبار ولا يدع أحدا من أهل الذمة يكتب لأحد من العمال على المسلمين إلا قطع يده، فأخذ حماد ما هويه الواسطي، جد سليمان بن وهب، فقطع يده.
Page 141