Wujuda Diniyya
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
Genres
الذي يعني في أصوله اللاتينية «الانبثاق
To Emerge » والوجودية فعلا فلسفة الانبثاقة في هذا العالم، وليست فلسفة الكينونة
Being
فيه. فمع الكينونة لا توجد إمكانية غير متحققة؛ الكينونة تحقق خالص. أما الوجود الذي هو مقابل للماهية، فدائما إمكانيات مفتوحة، تنتظر الاختيار والقرار لكي تتحقق. وهذه الإمكانيات هي ما تصوب عليه الفلسفة الوجودية أنظارها، وليس اسمها (الوجودية) فقط، بل وكل مصطلحاتها نحتت في اللغة الألمانية؛ فالوجودية نبتة ألمانية نشأت أصلا من توتر موقف العقلية الألمانية في بدايات القرن التاسع عشر. وكما أوضحنا، كانت فلسفة كيركجور، وهو دنماركي، رد فعل لفلسفة الماهية مع هيجل الألماني.
7
الوجودية إذن مجرد اتجاه عام لتحليل الوضع الإنساني، بل واتجاه ظل مضمرا، ولم يخرج من الصحائف ويتبد إلا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، في ألمانيا ثم في فرنسا، ولم يكتسب حتى اسما إلا عام 1929م. لا غرو إذن أن يضم الاتجاه الوجودي فلاسفة شتى تختلف مشاربهم أيما اختلاف وقد تتناقض، ليس فقط في قضايا الفلسفة العامة، بل وفي صميم القضايا التي تشكل صلب الاتجاه الوجودي، ولن نجد مقولة واحدة اتفقوا عليها، أو يمكن أن تنطبق عليهم جميعا بلا استثناء. فلا نتوقع مرسوما بتعاليم الوجودية، ولا سبيل إلى وضع تعريف جامع مانع لها، وبدلا من هذا، سنحاول تحديد الاتجاه الوجودي عن طريق نقطة البداية والمسار والهدف، وأبرز المعالم وأهم الخصائص.
8 •••
حينما نفكر في السؤال: ماذا أكون ومن أكون؟ سنلقي أنفسنا في دوائر مغناطيسية من التساؤلات كيف ولماذا ومن أين جئنا؟ وإلى أين نمضي؟ ... الواقعة الوحيدة الجلية هي «أننا موجودون» فبدأت منها الوجودية، وكان «ينبغي أن نبدأ من علاقتنا الأولية بما هو في ذاته: أي بوجودنا-في-العالم»
9
على أن أميز ما يميز الوجودية هو أنها لا تبدأ من الوجود كمقولة عامة-كماهية، بل منه كواقعة عينية متشخصة في فرد محدد. فالموجود البشري يمتاز عن سائر الموجودات بأن كل فرد ملقى في موقف وجودي معين خاص به، لا أحد يمكن أن يحل محله أو يشاركه فيه. إنه فرد فريد، لا يجوز اعتباره عينة في فئة. هكذا تبدأ الوجودية من الأنا ... الأنت ... الهو ... من الذات. فيغدو الوجود ذاتيا، لا يمكن أن نجرده ونعرفه من الخارج كمعطى موضوعي أو أن نرده إلى قوالب تصورية؛ فهو لا يرد إلى سواه، إنه يتصف بالذاتية العميقة من حيث يتصف بالسر الذي يجعله يتأبى على كل محاولة لجعله موضوعا.
Unknown page