80

فقال الشيخ بنبرات تنم عن تأثر: وما أملك أن أقول أيها الملك؟ سننتظر الغد وما يسوقه إلينا. فاذهب إلى الكعبة واهدمها كما تقول، وإذا شئت فاهدم هذه البيوت حجرا حجرا، لن تجد هناك من يلقاك؛ لأننا لا نقوى على أن ننازلك في معركة، لك القوة والسطوة وليس لنا سوى قلوبنا. لن نكون عبيدا لسلطان وإن عجزنا عن لقاء قوته، لقد هربنا بحريتنا وكرامتنا وأعراضنا، وهذه هي كل ما نحرص عليه في حياتنا، وسيحكم القضاء حكمه فيما بيننا.

فقال أبرهة وكأنه تأثر بقوله: أهكذا يقول من أمد يدي إليه بالسلام؟

فقال الشيخ: عفوا أيها الملك لما تسمع من قولي، فإني لا أقصد التطاول ولا التحدي، ولكني لم أجئ إليك أقصد خداعا. إنني شيخ كما ترى، وقد عركت الأيام وعركتني منذ كنت طفلا يتيما، فلم أجد في الحياة ما هو أجدر بي من أن أقول الحق صريحا، فلا تنتظر مني كلمة كذب ولا رياء. لا أحب أن تكون كلمتي وديعة وقلبي يضمر لك حربا، ولا تحسب أنني أحب الصدق في نفسي ثم أرضى بغير الصدق في فهمي. فماذا تقصد بقولك إنك تمد إلينا يدك بالسلام؟ إنما سبيل السلام واضحة.

فقال أبرهة متحفزا: وما تلك؟

فال الشيخ: انصرف بجيشك عائدا إلى صنعاء، فإذا فعلت هذا لحقنا بك منذ الغد نحمل إليك شكرنا وصداقتنا.

فقال أبرهة ساخرا: عجبا منك أيها الشيخ.

فقال عبد المطلب هادئا: وما وجه العجب أيها الملك؟

فقال أبرهة في دفعة: عجبت منك غير مرة، وإن كنت صبرت عليك نفسي ومددت إليك يدي مسالما، فما ذلك إلا أني لا أدع فرصة في السلام تنفلت من يدي، ولكنك تأبى إلا أن تردني ساخرا. سألتني أجئت حاجا؟ وأنت تعرف أنني أدعوكم إلى الحج إلى قليسي. وقلت لك سلني ما شئت، فنسيت كعبتك وآلهتك وقومك وحدثتني عن إبلك. ثم تريدني آخر الأمر على أن أعود أدراجي حتى تلحق بي لتشكرني. أجادا تنطق أم هازلا؟ أليس في كل ذلك ما يدعو إلى العجب الأعجب؟

فتبسم الشيخ قائلا: ألم تسمع قبلي رجلا صدقك؟

فثار أبرهة قائلا: أشيخ قريش أم سوقة؟

Unknown page