128

al-wiʿāʾ al-marmarī

الوعاء المرمري

Genres

فقال الشيخ: لسنا نحارب من أجل الكعبة ولا من أجل الآلهة، ولسنا نعبد الحجارة كما يزعم أبرهة. أترى العلم في المعركة يا نفيل؟ أيعبد حاملها الخرقة التي في يده؟ هكذا نحن مع هذه الكعبة التي بناها آباؤنا، إنما هي علم العرب الذي يجتمعون تحته. وما هذه الآلهة الكثيرة سوى رموز تتجسد فيها أرواحنا، ويتمثل فيها إيماننا. نحن نخلقها لنتمثل فيها ما نحب وما نخشى، فابق معنا إن شئت أو اذهب إلى أبرهة إذا شئت، فلن يجيبك القوم هنا إلا بما قلت لك. ليس عندنا إلا الجهاد حتى تحكم الأقدار بيننا.

فقمت إلى الشيخ وقبلت يده، وعرفت أنني في حضرة زعيم.

وأحس سيف نحو نفيل رحمة خالصة، وقال في حماسة: وحاربت مع قريش؟

فقال نفيل: حاربت كمن يريد أن يغسل ذنوبه. حاربت كالمنبوذ الذي يوعد قلبا يأوي إليه، وعقدت لأبرهة عقدة لا يستطيع جني أن يحلها. أنا الذي حفرت له الحفرة التي تردى فيها.

وكان ينطق بحماسة فيها غضب، وفي صوته رنين الاستعلاء.

وسكت لحظة ثم قال في مرارة الخيبة: كنت أحسب أنني غسلت أدران الماضي فأعود إلى قومي ويعودون إلي. بل لقد بعثت إليك - إليك أنت يا بن ذي يزن - لأضع يدي في يدك. ولكن قومي لم ينسوا ولم يفتحوا لي قلوبهم في شعب غيمان.

فصاح سيف: يوم بعثت إلي؟

فقال الرجل: نعم، يوم بعثت إليك، وكنت أنتظرك عندما جاءت جنود يكسوم مع حناطة الحميري، ولقيت جند يكسوم كما لقيت جند أبرهة مع حفنة من عشيرتي.

وضحك ضحكة أخرى مفزعة ثم قال: تخلى قومي عني مرة أخرى.

فقال سيف حزينا: وأسر أبو عاصم؟

Unknown page