113

al-wiʿāʾ al-marmarī

الوعاء المرمري

Genres

وأجاب سيف في صوت خافت: أنا سيف.

فهز الرجل نفسه في دهشة قائلا: سيدي!

وفتح خوخة الباب في حذر ثم ردها وراءه هامسا: الحبشة هنا.

وصمت سيف لحظة في تردد وزاد انقباضا، ثم ذهب إلى جواده قائلا للحارس: وداعا يا صبيح! لا تخبر أحدا عني.

وسمع همهمة الرجل وهو يجيبه بصوته الخافت في رحمة. ثم سمع خوخة الباب وهي ترتد وراءه، وكأن بقية من أمل قد غلبها اليأس في نفسه. «حتى بيت جدي!»

هكذا قال في نفسه: «حتى بيت جدي الذي كنت أحسب أن أعيش فيه مع خيلاء!»

وعاود السير على الطريق تاركا عنان الجواد على كاهله، ومسح عنقه يستأنس به شاكرا أن يجد على الأرض صديقا باقيا لا يسأله إلى أين تسير. وسار الجواد خفيفا جريئا كأنه هو خرج يقصد قصدا. وظهر القمر بعد حين من وراء الجبل الشرقي مثلما ينهض العليل النحيل، يجاهد أن يقوم والضعف يعجزه ويترنح به، ولكنه جلا الأرض شيئا وكشف له وجه الربى المعشبة. وعجب إذ أحس شيئا من الأنس يدب إلى قلبه كما يتنفس النسيم الفاتر في أعقاب يوم شديد الحر. وأحسن كأن الليل يبش له بعد عبوس، فملأ صدره من الهواء وزالت عنه تلك الوحشة التي خيمت عليه منذ خرج من صنعاء. إن أودية الأرض ما زالت واسعة، يستطيع فيها أن يجد جوارا يأمن عنده وديارا يحل فيها كريما. أليس قومه أمامه في تلك الأودية الساكنة؟ وطال به السير حتى لاح الفجر من المشرق يتنفس هادئا مثل جواده الفتي، ورأى إلى يساره ضوء نار تتقد حينا ثم تخبو حينا، فلوى عنان الجواد متجها نحوها وهو يحدث نفسه حديثا جديدا. سوف يمضي إلى قومه في شعاب الجبل، فهم يملئون الأرض وينتظرون مقدمه، وسوف يجمع شملهم ليستأنف الجهاد الذي بدأه جده وأبوه. سوف يستعذب لسع الأفاعي والعقارب، وسوف يستسيغ طعام العظام والدماء، وسوف يقتل ويقتل ويقتل. ولاحت له صورة يكسوم إذ ينظر إليه بعينيه القاسيتين، ورنت ضحكته الساخرة في أذنيه، وثار الدم في رأسه. سوف يقتل ويقتل ويقتل. وبلغ قريبا من النار، فالتفتت إليه امرأة شابة تتلفف في خمارها، ويبدو شبابها من اعتدال رأسها ولين حركتها. وقالت له مبادرة: على الرحب نزلت.

ثم أسرعت نحو الخيمة تنادي زوجها.

وترجل سيف في تردد، حتى رأى صاحب المنزل يخرج إليه وهو يلقي شملته على كتفيه ويناديه قائلا: مرحبا بك وأهلا!

وما كادت عين الرجل تتبينه حتى صاح قائلا: سيف بن ذي يزن!

Unknown page