147

وجهة العالم الإسلامي

وجهة العالم الإسلامي

Publisher

دار الفكر معاصر بيروت-لبنان / دار الفكر دمشق

Edition Number

١٤٣١هـ = ٢٠٠٢م / ط١

Publisher Location

سورية

Genres

بعض القراء: إذ أنهم قد ينسبون هذا التجدد- من وجهة نظرهم- إلى سحر اختص به الرجل. ومع ذلك فليس في الأمر سحر ولا سر، فلقد كان ذلك المدرس يذهب ليؤدي صلاة الجمعة في جميع مساجد القاهرة، ثم ينتهز الفرصة ليذكر المؤمنين ببعض تعاليم القرآن، لم يكن يفسر هذا الذي يقرؤه، فلقد ترك التفسير لشيوخ الأزهر، وهم أكثر منه علمًا به، فإن بابه متسع للجدل حول مسائل اللغة والكلام والفلسفة والفقه والتاريخ، وهذه أمور علمية محض؛ فعلم التفسير يستطيع أن يبين لنا وجه الحق فيما يعتقده المؤمنون، ولكن هذا (الحق) لن تكون له علاقة بالواقع إلا في المجال الفكري، وهي علاقة نظرية خالصة بين الحياة والعلم، ولو أننا افترضنا أن ما يقوله لنا علم التفسير أحيانًا حق لا ريب فيه من جهة كونه فكرة مجردة، فإن هذا الحق لن يكون البتة سببًا في حدوث تغيير ثابت للعوامل الاجتماعية الأساسية، يحيلها (تركيبًا) اجتماعيًا. والحق أن هذا التركيب هو الذي ينشئ العلاقة العضوية بين المبدأ الاجتماعي وموضوعه، وفي هذا المجال يمكننا أن نوازن تعاليم المدرسة الإصلاحية التقليدية مع تعاليم تلك الحركة الجديدة، فتعاليم تلك المدرسة كانت تنادي مثلًا (بالتضامن الإسلامي) القائم على فكرة الأخوة، وليست هذه سوى عاطفة أحالتها الحركة الجديدة إلى مؤاخاة، أي عمل أساسي يصبح الناس به (إخوة). هذا العمل البسيط هو في الواقع تغيير شامل للإنسان الذي ينقّل خطاه من عصر ما بعد الموحدين إلى عصر النهضة، كما قدر له أن يتخطى بالطريقة نفسها غيابة المجتمع الجاهلي إلى حياة المجتمع الإسلامي، فلكي يتم تغيير الفرد لم يستخدم ذلك الزعيم سوى الآية القرآنية، ولكنه كان يستخدمها في الظروف النفسية عينها التي كان يستخدمها فيها النبي ﷺ وصحابته من بعده، وهذا هو السر كله: أن تستخدم الآية كأنها فكرة موحاة، لا فكرة محررة مكتوبة. وإذا كان قد أتيح لذلك الزعيم أن يؤثر تأثيرًا عميقًا في سامعيه، فما ذلك إلا

1 / 158